حرب غزة «كارثة إنسانية»... بلا أفق
مع دخول الصراع في غزة شهره الثاني عشر، أصبحت الأزمة الإنسانية كارثية في ظل غيابِ أفقٍ للسلام حتى مع اعتبار قادة قوات الاحتلال أن الجزء الأكبر من العمليات العسكرية تم إنجازه دون تحقيق الأهداف السياسية الموضوعة من القادة السياسيين.
وقد عانى شعب غزة دماراً غير مسبوق بلغ فيه عدد القتلى 41 ألف شخص غالبيتهم من الأطفال والنساء. بالإضافة إلى ذلك، أصيب أكثر من 100.000 شخص وتم تشريد عدد لا يُحصى من الأُسر ودُمرت البنى التحتية والتعليمية الأساسية.
ورغم النداءات الدولية الواسعة بوقف الحرب وأن غالبية الإسرائيليين تؤيد وقف النار وإنهاء المعارك، يبدو الحلُّ بعيد المنال بسبب تعنُّت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يصرّ على إبقاء وضع الحرب قائماً وذلك لاهتمامه بالحفاظ على حكومته الائتلافية اليمينية المتطرفة التي قد تنهار إذا تم التوصل إلى هدنة.
وفي الوقت نفسه، تستعدّ قوات الاحتلال الإسرائيلي لتواجد طويل على ممر فيلادلفيا الحدودي، في انتهاكٍ لاتفاق السلام مع مصر، وعلى ممر نتساريم الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها. ومع ذلك فإن هذا الاحتلال الطويل الأمد قد يعرّض القوات الإسرائيلية لهجمات مستمرّة من المقاومة الفلسطينية.
وفَرَضَ العنفُ الإسرائيلي الجَماعي نزوح 1.800.000 من سكان غزة بينهم 625 ألف طفل لن يعودوا إلى صفوف الدراسة ما يعرض مستقبل جيل كامل للخطر. إذ إن 90 في المئة من المدارس التي أنشأتها الأونروا تحوّلت إلى أطلال، وكذلك تم تدمير الجامعات عَمْداً لمنع الطلبة عن دراستهم وإيجاد مجتمعٍ غير متعلم وعاطلٍ عن العمل يهتمّ فقط بتحصيل لقمة العيش.
ودمّرت إسرائيل أكثر من 350 ألف منزل ما أدى إلى نزوح أُسَرٍ تعيش داخل خيم وما بقي من مدارس متضررة. وقد نجح الجيش الإسرائيلي في تحويل غزة إلى قطاع غير صالح للسكن، من دون أن يدفع ذلك السكان للنزوح الجَماعي في ضوء تمسك الفلسطينيين بأرض أجدادهم على عكس ما حصل من هجرة جَماعية عام 1948 أيام النكبة.
وبعدما أَمَرَ وزير الدفاع يوآف غالانت بقطع المياه والكهرباء، انتشرت الأمراض وتفاقمت الأزمة الصحية ولم يتمكن زعماء العالم من إقناع نتنياهو بوقف الحرب والسماح بدخول الدواء والغذاء والوقود اللازم لاستمرار عجلة الحياة وإعادة بناء القطاع الصحي.
ورفض نتنياهو العديد من مقترحات السلام بما فيها طروحاتٍ عرضها هو على الرئيس الأميركي جو بايدن، ليذهب نحو الاستعداد لفتح جبهات أخرى وتوتير الوضع مع لبنان لتغذية احتمال الصراع الإقليمي الأوسع.
وقد أدى دعم الغرب اللا محدود لإسرائيل لإظهار المعايير المزدوجة بشكل فاضح في ما يتعلق بخرق القانون الدولي وحقوق الإنسان. فقد دان الغرب غزو روسيا لأوكرانيا وقدّم مساعدات مالية وعسكرية كبيرة لكييف، في الوقت الذي تَجاهَلَ القوانين وجرائم إسرائيل، ما أثار استياء دولياً وعربياً. وعلى الرغم من إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية ان نتنياهو وغالانت مجرمي حرب بسبب جرائمهما في غزة، فإن الولايات المتحدة والعديد من دول أوروبا لم تغيّر سياستها مع إسرائيل ولم توقف تدفق الذخائر والأسلحة إليها حيث يُعتبر نتنياهو «حليفاً وصديقاً» كما قال جون كيربي الناطق باسم المجلس القومي الأميركي. وهذا ما يثير حفيظة الدول الأخرى التي اشمأزت من نتائج الحرب الدائرة.
وكشفت الحرب الدائرة عن انقسامات دولية وداخلية في غالبية البلدان، بما فيها إسرائيل. ويعتقد الكثيرون أن نتنياهو يضع حياته السياسية قبل سلامةِ المخطوفين الإسرائيليين الذين رفض التفاوض لإطلاق سراحهم مقابل الانسحاب من غزة، ليستمرّ في حربٍ بلا أهداف واضحة وبلا أفق.
وقد أدى استمرار الحرب لتفاقم الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية حيث المجتمع الفلسطيني، وكذلك في إسرائيل حيث توقّع وزير المال بتسلئيل سموتريش أن يبلغ العجز الاقتصادي 64 مليار دولار.
وهذه كلفة كبيرة تشكل تأثيراً كبيراً على الإنفاق المتواصل والمتجدد على الخدمات الأساسية والبنى التحتية للمدى الطويل لن تتعافى منه إسرائيل لسنوات طويلة مقبلة.
وفي غياب اتفاق سلام، يشير رفض نتنياهو المستمرّ للحلول الدبلوماسية، إلى جانب المعايير المزدوجة للمجتمع الدولي، إلى أن الصراع في غزة بعيد عن الحل، وخصوصاً مع اقتراب الحملة الرئاسية الأميركية.
وتزيد الانقسامات المتعمقة داخل المجتمع الإسرائيلي والضغوط المالية الهائلة الناجمة عن الحرب المطوّلة من الضغوط على الحكومة التي تكافح لتبرير أفعالها. وتتفاقم هذه القضايا بسبب عدم وجود أهداف عسكرية واضحة وكارثة إنسانية متفاقمة إلى جانب السخط المتزايد بين كبار قادة الجيش الإسرائيلي الذين أفادت التقارير انهم مستعدون للاستقالة.
ويبدو أن مصير الحرب يعتمد على قرارات نتنياهو التي تحرّكها في المقام الأول رغبتُه بالبقاء في الحكم وليس إنهاء الحرب.