«كرة نار» الجنوب تنتظر مآل «العرض الأخير» من البيت الأبيض ودخانه الأسود أو الأبيض
لبنان: ملف سلامة «يرتقي» قضائياً... فهل يكون «رأس جبل الجليد» أم تجمّده السياسة؟
بين «رأس جبل الجليد» الذي قد يشكّله بدء الملاحقة القضائية للحاكم السابق لمصرف لبنان المركزي رياض سلامة بجرائم «الاختلاس وسرقة أموال عامة والتزوير والإثراء غير المشروع»، وبين «كرة النار» التي مازالت على تَوهُّجها على جبهة الجنوب في انتظار تصاعُد الدخان الأبيض أو الأسود من «ورقة الاحتياط» الأخيرة التي سترميها واشنطن على طاولة حرب غزة، بدت بيروت مشدودةً إلى ملف داخلي «استفاقتْ» معه خبايا «العالم السفلي» لفسادٍ منظّم يتفشّى في كل هيكل الدولة وبنيانها منذ عقود وساهم في تكوين الأرضية للانهيار المالي المروّع جنباً إلى جنب مع «الفساد السياسي»، وإلى الملف الأخطر ذي البُعد الإقليمي الذي لم تَعُد خفاياه سِراً وبات يعلّق البلادَ برمّتها على حَبْلٍ رفيع فوق هاويةِ حربٍ أوسع يُخشى ألّا يكون ممكناً تفادي «تَجَرُّع سُمّها».
وهكذا شخصت الأنظار في بيروت بالتوازي:
- على جبهة الجنوب التي مضتْ في مواجهاتٍ تحت سقف الحرب المحدودة المعهودة منذ ما قبل «فجر» الردّ (25 اغسطس) على اغتيال القيادي الكبير في «حزب الله» فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وسط رصْدٍ دقيقٍ لمآل «الاستماتةِ» الأميركية لبلوغ هدنةٍ في غزة عبر مقترحٍ للرئيس جو بايدن يُنتظر كشفه بحلول نهاية الأسبوع وطرْحه على طريقه Take it or leave it ويُراهَن على أن يُحْدِث الاختراقَ المطلوب في ضوء اشتداد خناق الاحتجاجات الشعبية حول بنيامين نتنياهو الذي يطارده «بالصوت والصورة» شبح الأسرى الستة الذين استعيدتْ جثثهم و«يحاكمونه» تباعاً على ما حلّ بهم.
- وعلى المسار القضائي لملف سلامة الذي أمضى اليوم الثاني أمس قيد التوقيف مع تطورّ إضافي شكّله ادعاء النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم على الحاكم السابق لـ «المركزي»، بجرائم «الاختلاس وسرقة أموال عامة والتزوير والاثراء غير المشروع»، وسط تقديرين يتجاذبان هذه القضية التي جاء وقْعُها «مزلزلاً».
أوّلهما أنها تؤشر الى تَدَحْرُجٍ مرتقبٍ لـ «ملفات متسلسلة» تتصل بعددٍ من المصارف ودورها في حلقةٍ متشابكة من عمليات وهمية أو مضخّمة أو غيرها ساهمتْ في إثراء غير مشروع أو تبييض أموال أو تهريبها، وإن كانت لا تشكّل السببَ الوحيد في «العاصفة الكاملة» التي تضرب الواقع المالي - المصرفي - الاقتصادي منذ نحو 5 أعوام.
وثانيهما أن ملاحقة سلامة في ملفٍ مفتوح فقط أمام القضاء اللبناني ومنفصلٍ عن سائر القضايا التي كانت موضعَ متابعة محلية وأوروبية (تبييض أموال واختلاس وتحويل نحو 330 مليون دولار الى بنوك أوروبية في شكل غير نظامي عبر شركة «فوري» الصُورية المسجّلة باسم شقيقه رجا) قبل أن تَعْلق لبنانياً في شِباك دعاوى مُخاصَمة قدّمها «الحاكم» وجمّدتْ المسارَ، قد تكون مقدّمةً لتبرئةٍ أو لتخليةٍ تَستعيد ما حصل مع أخيه رجا، ويمكن أن تساهم في تكوين «صورة جديدة» عن لبنان وقضائه - الذي «أعيد» له دوره - تجاه الخارج خصوصاً على مشارف استحقاق خطير هذا الشهر وهو احتمال وضْعه على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي مع ما يعنيه ذلك من تعقيد التعاملات مع المصارف المراسلة وتداعيات محتملة على التحويلات المالية في بلدٍ تحوّل «حطاماً» مالياً ونقدياً.
وفي «حيثيات» مَن يشككون في إمكان انتهاء سلامة محكوماً أن رجلاً بحجم «الحاكم» يَصعب رؤيته خلف القضبان، هو الذي لمّح إلى أنه «سجّان» لغالبية الطبقة السياسية وممارساتها خلال العقود الثلاثة الماضية والمُمْسِك بـ «صندوقة فضائحها المالية»، ناهيك عن أن مرتكزاتِ الانهيار الكبير الذي بدأ رسمياً في مارس 2020 هي سياسية - مالية وتتّصل بمجمل الواقع اللبناني وتعقيداته منذ مرحلة الوصاية السورية وما بعدها من حروب وأزمات رئاسية، وليس انتهاءً بفرض الطبقة السياسية تمويل الدولة وعَجْزها، بما فيه «الثقب الأسود» للكهرباء، وهي الحلقة التي تشتمل على مسؤولياتٍ لكلّ من الدولة والبنوك و«المركزي» وليس الأخير فقط أو حاكمه.
ومن هنا تتجه العيون إلى «الخطوة التالية» قضائياً، بعدما جاء الادعاء على سلامة أمس من القاضي علي ابرهيم في أعقاب ختْم النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار تحقيقاته الأولية مع الحاكم السابق وإيداعها جانب النيابة المالية. علماً ان ابراهيم أحال سلامة مع الادعاء ومَحاضر التحقيقات الأولية على قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي، طالباً استجواب سلامة وإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه سنداً لمواد الادعاء المشار إليها.
وسيبدأ القاضي حلاوي اعتباراً من اليوم، الاطلاع على الملفّ على أن يحدد موعداً لاستجواب سلامة بعد غد أو الاثنين المقبل، مع الإشارة الى أن هذه القضية ترتبط بشبهات عن اختلاسات تقارب قيمتها 41 مليون دولار، مع تضارُب معلومات حيال ارتباطها بملف شركة «أوبتيموم» الذي كان وثّقه تقرير شركة التدقيق الجنائي «ألفاريز آند مارسال» الذي أشار إلى وجود عمولات غير مشروعة دفعها مصرف لبنان من حساب الاستشارات عبر سبعة مصارف، في الفترة بين 2015- 2020 بقيمة 111.3 مليون دولار ولم يكشف سلامة المستفيدين النهائيين منها حين طلبت منه «الفاريز» معلومات عنها وعن الحساب الذي ذُكر أنه خُصص لأرباح وهمية نتجت عن عمليات بيع وشراء سندات خزينة وشهادات إيداع وعمليات أخرى مختلفة بعمولات مضخّمة.
هدير المواجهات
ولم تحجب هذه القضية المدوّية هديرَ المواجهات في جنوب لبنان حيث مضت إسرائيل في استهدافاتها لقرى وبلدات حدودية، وردّ «حزب الله» بعملياتٍ أطلق خلالها عشرات الصواريخ بينها على «مقر قيادة كتيبة السهل في ثكنة بيت هلل ومرابض مدفعية العدوّ في ديشون»، لتفيد وسائل إعلام عبرية لاحقاً عن إصابة شخصين قرب «ديشون» وتتحدث عن أن رئيس فريق الطوارئ في مستوطنة كفار يوفال أصيب بجروح، فيما اندلعتْ حرائق عدة في شمال إسرائيل.
وفي موازاة الميدان يسود ترقب لمسار محاولات استيلاد تفاهم حول هدنة في غزة، وسط اعتقادٍ بأن تَزايُدَ الضغوط الشعبية على نتنياهو في الداخل قد يدفعه للسير أقلّه بـ «مرحلةٍ أولى» ومحاولة ترْك النقاط العالقة للتنفيذ بعد المرحلة الأخيرة، ومن دون أن يعني ذلك وضوحاً حيال ما سيكونُ على جبهة الجنوب بعد أي هدنةٍ سيلتزم بها «حزب الله» حُكماً، كما ستُستتبع بحال ولوجها بعودةٍ للموفد الأميركي آموس هوكشتاين في مسعى جديد لشقّ طريقٍ لترتيب أمني يوفّق بين شروط اسرائيل «لشريط عازلٍ» وبين رفْض الحزب البحث في أي نهائيات قبل ضمان وقف حرب غزة، وإلا ارتفعتْ مخاطر ارتداد تل أبيب الى الشمال وفق معادلة «تصعيد تعقبه تهدئة» بشروطها.