في مقال كتبه سمو الأمير تركي الفيصل، في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، نشر في يناير الماضي بعنوان «الحرب في غزة الفشل الكبير» شخّص فيه الحالة الفلسطينية خلال حرب غزة كشف فيه الواقع العربي وازدواجية المعايير عند الغرب في معالجة حالة القضية الفلسطينية، طارحاً في المقال ذاته الحل الأمثل للقضية من خلال العناصر الرئيسية التالية:
أولاً: سعي عربي إلى استصدار قرار أممي جديد يفرض وقف إطلاق النار الفوري.
ثانياً: فرض هدنة طويلة لمدة 5 سنوات أو أكثر على الطرفين بضمانة عربية للطرف الفلسطيني وضمانة دولية للطرف الإسرائيلي.
ثالثاً: تتوّج نهاية هذه الهدنة بقيام دولة فلسطينية بناءً على القرارات الدولية (قرار 1948 والقراران 242 و338).
رابعاً: يلي ذلك مُفاوضات جدّية لحل نهائي للقضية الفلسطينية مبنية على مُبادرة اللجنة الرباعية والمُبادرة العربية للسلام.
خامساً: إعلان «حماس» التزامها بميثاق منظمة التحرير الفلسطينية وخياراتها السياسية.
سادساً: توافق فلسطيني على قيادة سياسية فلسطينية للقطاع تتولى إدارة شؤونه حتى إجراء انتخابات فلسطينية عامة.
سابعاً: انسحاب القوات الإسرائيلية بشكل كامل من القطاع وتبادل الأسرى.
ثامناً: رفع الحصار عن غزة.
تاسعاً: صندوق دولي لإعادة إعمار القطاع تحت إشراف دولي يُموّل من إسرائيل وداعميها الغربيين وأطراف عربية.
عاشراً: منع القيادات الحالية في «حماس» والسلطة الفلسطينية وفي إسرائيل من أن تتبوأ منصباً سياسياً إلى الأبد.
وفي ضوء هذا الطرح العقلاني والواقعي والحريص على حقن الدماء والدعوة إلى التعايش الانساني، نجد أن الجانب الاسرائيلي يتحدث عن إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل وذلك من خلال التصريحات التي يطلقها كبار مسؤوليهم ونخبهم الفكرية ودون مواربة.
هذا نتنياهو، في بداية العدوان على غزة يُصرّح علناً أمام وسائل الإعلام أنه طيلة 30 عاماً يصر على أن الصراع ليس في عدم وجود دولة فلسطينية بل في عدم وجود دولة يهودية تمتد من النهر إلى البحر، وان أي اتفاق قادم في المستقبل فإن دولة إسرائيل يجب ان تسيطر على المنطقة بأسرها. وهو يهدف من ذلك إلى توسيع دائرة الحرب تدريجياً حتى يتمكن من إنجاح التطهير العرقي في مناطق السلطة الفلسطينية في محاولة لخلق نزوح إلى الأردن.
تعتبر الولايات المتحدة أولى المتواطئين مع الدول الغربية في دعم هذا التوجه وقد تكفّل وزير خارجية الولايات المتحدة من خلال جولاته بين العواصم العربية والاسرائيلية بالشق الديبلوماسي على منع انهيار المفاوضات الماراثونية لضمان عدم توسع الحرب لتوفير الوقت لاسرائيل للاستفراد بحركة حماس والقضاء عليها. في حين ينتظر نتنياهو وصول ترامب للسلطة ليعلن بدء المرحلة القادمة من الحرب حيث إن هناك تصريحاً مصوّراً لترامب قال فيه انه عند النظر إلى خريطة الشرق الأوسط نجد إسرائيل كبقعة صغيرة جداً مقارنة بالأرضية الضخمة للبلاد العربية، متسائلاً هل هناك طريقة لتوسيعها ويقصد إسرائيل.
سيكون جنوب لبنان الهدف التالي وذلك عبر القضاء على حزب الله أو جعله في أضعف حالاته. كما صرّح نتنياهو في وقت سابق انهم قد تجهزوا لتحرك قوي في جهة الشمال وكذلك تجاه الضفة الغربية ويجري الاستعداد لذلك لما يُسمى لديهم «المذبحة الكبرى»، عبر تسليح المستوطنين الذين يؤمنون بالتطهير العرقي من خلال القتل، وقد ظهرت فيديوهات لعناصر من المستوطنين تدعو إلى القتل وذلك ترقباً لساعة الصفر.
وفي لقاء مصوّر صرّح آفي لبيكن، وهو كاتب اسرائيلي، ان حدودهم ستمتد في نهاية المطاف إلى جنوب لبنان والصحراء الكبرى ناحية المملكة السعودية، ثم من البحر المتوسط إلى الفرات وسيكون على الجانب الآخر أمامنا الأكراد وهم اصدقاؤنا. كما ان لبنان سيحتاج إلى مظلة حماية اسرائيلية، وانه يؤمن بأنهم سيأخذون مكة والمدينة وجبل سيناء، مؤكداً بانهم سيعملون على تطهير هذه المناطق بدعم من أميركا التي ستحتاج إلى وجود إسرائيل الكبرى في الشرق الاوسط، والتي ستكون بيدها الممرات المائية والتجارية، والتي سيمكنها من التحكم عبرها في العالم في حال نجحت هذه الخطة. هذا ما تؤمن به إسرائيل والدول الغربية تجاه منطقتنا، بينما نحن نتحدث عن القرارات والمواثيق الدولية والتي اثبتت حرب غزة زيف هذه المواثيق ومفهوم المجتمع الدولي في قيام إسرائيل بإبادة جماعية لسكانها.
إن العالم الحر كما يُدعى يصم أذنيه ويغض من بصره عن تلك الجرائم في حق الإنسانية للشعب الفلسطيني لأن مصالحهم تعلو عندهم عن الاعتراف بالحق فماذا نحن فاعلون؟ وهل سيأتي الدور على المنطقة في العبث بها من خلال سياسة الكاوبوي في طريقته لسرقة البنوك؟!
والله المستعان.