رؤية ورأي

قفزة عدّادات الكهرباء الذكية

تصغير
تكبير

بعد حصولي على شهادة الدكتوراه، وبقصد الاستفادة من إحدى ثمار بحث الدكتوراه، تبنيّت مشروعاً لاستحداث تطبيق رقمي كويتي (تحتضن قواعد بياناته المعيارية خواص المواد وتفاصيل الممارسات الدارجة في قطاع البناء بالكويت) لمحاكاة انتقال الحرارة والهواء والرطوبة عبر المباني السكنية وأنظمة التكييف فيها، بغرض الاستعانة بالتطبيق المستحدث كأداة لتصميم أنظمة التكييف في هذه المباني عوضاً عن الممارسات غير الهندسية السائدة إلى اليوم.

في مرحلة تقييم فكرة المشروع، قرّرت استخدام أحد التطبيقات الرقمية المناظرة المرموقة، لتقدير معدّلات استهلاك الكهرباء على مدار السنة في أجهزة التكييف لعدد من البيوت الافتراضية ذات التصاميم الحديثة والأنماط الشائعة آنذاك، ومقارنة هذه التقديرات مع تقديرات الاستهلاك المشتقّة من فواتير الكهرباء الفعلية لبيوت من الفئة ذاتها. لذلك لجأت إلى أحد مكاتب التحصيل التابعة لوزارة الكهرباء في إحدى المناطق السكنية الجديدة آنذاك، للحصول على بيانات استهلاك الكهرباء في مجموعة من البيوت، من دون الاطلاع على البيانات الأخرى، كالعنوان واسم المالك.

تعاون معي مدير المكتب، وكلّف أحد الموظّفين بتزويدي ببيانات الاستهلاك الأحدث، نقلاً من شاشة الكمبيوتر. ولكننا مع بداية تدوين البيانات، لاحظنا أن تكلفة الاستهلاك في الكثير من البيوت كانت أقل من 50 ديناراً في السنة! وفسّر الموظف هذا الانخفاض في القراءات بكونها لبيوت جديدة غير مسكونة،و أجهزة التكييف فيها مطفأة حتى تاريخ أحدث قراءة.

ولكنني بعد تفاقم عدد قراءات الاستهلاك المنخفضة، شكرت الموظّف ومديره على طيب تعاونهما، وقرّرت تأجيل المشروع إلى حين توافر منظومة موثوقة لرصد استهلاك الكهرباء.

المشكلة آنذاك في المنظومة لم تكن مقتصرة على صعوبة استخراج البيانات الكاملة، للباحثين العلميين والأكاديميين لأغراض التطوير والتنمية، بل شملت أيضا الافتقار إلى أدوات الرقابة والتدقيق في مصداقية البيانات المسجّلة، للتحقق مثلاً من الفارق بين الكهرباء المنتجة والمستهلكة. فمن جانب، المنظومة لم تكن مُزوّدة ببرمجيّات رقمية للكشف التلقائي عن قراءات الاستهلاك المشبوهة، ومن جانب آخر المنظومة لم تُمكّن موظّف مكتب التحصيل من الاطلاع الفوري على القدرات الكهربائية المخصّصة للبيوت لمقارنتها مع الاستهلاكات المسجّلة في الكمبيوتر.

لا شك أن المنظومة تطورت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، والقفزة التطويرية الأكبر تحقّقت جزئيّاً بإنشاء وتشغيل منظومة العدّادات الذكية، وتركيب ما يزيد على 130 ألف عدّاد ذكي. وسوف تكتمل هذه القفزة مع إتمام تركيب العدّادات الذكية في جميع المباني والمرافق في الكويت.

فإلى جانب تحصين المال العام، سوف تضيف هذه القفزة مرونة كبيرة لمنظومة إدارة شبكة الكهرباء في الكويت، بالسماح لإجراءات انتقائية تلقائية استباقية ولاحقة.

ولكي تتسع هذه القفزة التطويرية أكثر، ينبغي أن تُقترن جميع البيانات (المحفوظة والمتداولة في الوزارة) ذات العلاقة بالبيوت والمرافق بالرقم الآلي للعنوان (الذي تُصدره الهيئة العامة للمعلومات المدنية). وذلك من أجل تسهيل وتسريع عملية جلب البيانات المتعلّقة بكل مبنى من مختلف القطاعات والإدارات في الوزارة. علماً بأن بيانات العدادات الذكية وقراءاتها مُقترنة حالياً بالرقم الآلي للعنوان.

وأيضا ينبغي إنتاج نسخ إلكترونية (أو على أقل تقدير صور ضوئية) من جميع المستندات والمخطّطات الورقية – المحفوظة في الوزارة – ذات العلاقة بالمباني والمرافق القائمة. أما المباني والمرافق المُستجدّة والمُستقبلية، فتشترط الوزارة تقديم نسخ إلكترونية من الطلبات والمرفقات. على أن تُقترن جميع النسخ الإلكترونية (الخاصة بالمباني والمرافق القائمة والمُستجدّة والمستقبلية) بالرقم الآلي للعنوان.

لا شك أن الجهود المطلوبة أعلاه شاقّة، لأنها كثيرة ويجب أن تُنجز ضمن إطار إداري ناجع لضبط الدقّة والجودة. ولكنها جهود مستحقّة، لأنها سوف تُسهم في ترقية قدرة الوزارة على توفير البيانات الكاملة لقياداتها والمعنيين بالتخطيط الإستراتيجي في الوزارة، وأيضا للسلطات الدستورية الثلاث، والقطاعات الاقتصادية الثلاثة، والمستهلكين والباحثين العلميّين، والمنظمات والهيئات الأممية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي