وفق رأي تربويون وباحثون في علم الاجتماع، تفاقمت ظاهرة التنمّر السياسي في المجتمع الكويتي مع أحداث الربيع العربي خارج الكويت. وتفاقمت هذه الظاهرة أكثر مع أحداث مجلس الأمّة على مدى زاد على العقد من الزمن. وحالياً، تجتاح المجتمع الكويتي موجة عارمة من التنمر السياسي منذ بداية أحداث حرب غزّة.
الطرفان الرئيسيّان في الموجة الأولى من التنمّر السياسي شُكّلا وصُنّفا طائفياً، لأنها كانت مقترنة بجرائم إرهابية على الهوية الطائفية. وبالنسبة للموجة الثانية، طرفاها الرئيسيّان شُكّلا وصُنّفا سياسيّاً وطائفيّاً، بنسب تغيّرت مع مرور السنوات، بالتناغم مع التحوّلات في الحروب الأهلية الإقليمية والتبدّلات في الثقافة الانتخابية المحلّيّة. وأما طرفا الموجة الثالثة الرئيسيّان، فشكّلا سياسياً فقط، ولكن وفق عوامل سياسية على المستوى الإقليمي والدولي وليس على المستوى المحلي، كما كانت في الموجة الثانية.
علماء علم الاجتماع يُحذّرون من أخطار ظاهرة التنمّر السياسي، لأنها غالباً تُزعزع السلم المجتمعي وتُعطّل بدرجات متفاوتة مظاهر الحياة الديمقراطية وتَهدم حصون حقوق الإنسان، وأوّلها حصن حق التعبير عن الرأي.
الباحث التربوي الدكتور ريمون المعلولي، أستاذ أصول التربية في جامعة دمشق سابقاً، نشر قبل شهر مقالاً عبر مركز حرمون للدراسات المعاصرة بعنوان «التنمّر السياسي والسلام المجتمعي – الحالة السوريّة». وأكّد في المقال على ضرورة مواجهة هذه الظاهرة المتفاقمة، واختتم مقاله باقتراح عدد من إجراءات المواجهة، من بينها «تعزيز الثقافة الديمقراطية واحترام التنوع السياسي».
وهنا تستطع مرّة أخرى ضرورة تطوير منظومة التعليم الكويتية، بصفتها إحدى الورش والميادين الرئيسية لتشكيل ثقافة المجتمع. وهنا أيضاً تتجدّد أهمية استحضار وإنفاذ توصيات فريق عمل تطوير التعليم في الكويت. وتحديداً التوصية التي صرّح بشأنها قبل عام وزير التربية وزير التعليم العالي والبحث العلمي آنذاك الدكتور/ حمد العدواني، وهي التوصية بإعادة هيكلة المجلس الأعلى للتعليم ليكون جهة مستقلة، مع إعادة صياغة علاقته مع كل من وزارة التربية والجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم ومركز تطوير التعليم، بما يساعد في استمرارية عمليتي تقويم المنظومة التعليمية وتطوير جودة مخرجاتها.
ولكن تجارب الإصلاح السابقة تؤكّد أن إعادة هيكلة المجلس الأعلى للتعليم – رغم أهميتها وضرورتها – ليست كفيلة أو ضامنة لإصلاح وتطوير المنظومة التعليمية، لتصبح بيئة معزّزة للثقافة الديمقراطية وراعية للتنوع السياسي، ما لم يتضمّن «قرار إعادة الهيكلة» تعديل ضوابط ومعايير وشروط اختيار أعضاء هذا المجلس، بما يضمن على الأقل عضوية رمز ديمقراطي بـ «المفهوم الأممي».
العديد من مقالات الكاتب القدير عبداللطيف الدعيج، عزّزت كل منها قناعتي أكثر فأكثر بأنه أحد الرموز الديمقراطية «وفق المعايير الأممية». ومن بين مقالاته الرائعة (التي تعالج خللاً مُزمناً في العقل الجمعي الكويتي، كالخَلَل في مفهوم الوحدة الوطنية والخَلَل في مفهوم حرّية التعبير) تلك التي استعرض فيها التبعات المحلّيّة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الفقيد إسماعيل هنيّة، بأيدي دولة البلطجة والإرهاب إسرائيل. وأقصد هنا مقالاته الثلاثة المتتالية المعنونة «أنتم أحرار... وهم أحرار» و«حتى الحزن ممنوع...!» و«الثيران السود».
الدعيج الذي يؤكّد أن فلسطين ليست قضيّته، خصّص ثلاثة مقالات – حتى ساعة كتابة هذا المقال – للتأكيد على حق المكلومين بفقدان هنيّة في التعبير العلني عن حزنهم ومواساة بعضهم البعض. كما أنه حذّر فيها من مغبّة استمرار ثقافة التنمّر المجتمعية، التي تُشجّع على قمع الآراء المخالفة، بل المغايرة، وفرض الآراء على الغير، وإملاء الرغبات والمعتقدات على الآخرين. وهي للأسف ممارسات باتت مشهودة بين العديد من الأصدقاء والزملاء.
لذلك، أدعو وزير التربية وزير التعليم العالي والبحث العلمي الحالي الأستاذ الدكتور/ عادل العدواني إلى متابعة إنفاذ التوصية بإعادة هيكلة المجلس الأعلى للتعليم، والعمل على ضمان تواجد رموز ديمقراطيون ضمن تشكيلته... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».