فكر المؤدلجين

تصغير
تكبير

فى بداية السنة الهجرية الجديدة وهي غُرة شهر محرم يستبشر الناس بمقدم السنة بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى أن تكون سنة خير للعباد والبلاد، وأن يجنّب الله البلادَ الفتنَ ما ظهر منها وما بطن.

لقد عشنا في طفولتنا وشبابنا نحن أهل الفريج الواحد ولا أقول المذهب الواحد حياة تتخللها المودة والمحبة والتكاتف والتواصل الاجتماعي في ما بين الجيران دون قيود.

ثم مرت السنوات سريعاً وتبدلت المنازل والفرجان وتباعدت الأنفس، وأصبحنا نعيش واقعاً مختلفاً عما عشناه في طفولتنا وشبابنا وما تربينا عليه من قبل آبائنا وأجدادنا الذين عاشوا ضنك وقسوة الحياة ولكنهم لم يقطعوا التواصل الاجتماعي والترابط المميز لأهل الكويت جميعاً.

في السنوات الماضية من بدايات القرن الماضي دخلت علينا مفاهيم ليست نتاجاً محلياً بل نتاج عربي وآخرها شرقي، فكان هناك القوميون والبعثيون والناصريون و«الإخوان المسلمين» وتيارات إسلامية وغيرهم من أصحاب الأفكار الدخيلة على مجتمعنا.

وهنا بدأنا نسمع عن الشخص المؤدلج فكرياً، والأدلجة أُخذت من الأيديولوجيا كمصطلح إنكليزي حرفي وهي في أصلها تعني ما يقتنع به الشخص من أفكار ورؤى وقناعات عقائدية بحتة، إلا أن الأيديولوجيا كمصطلح خرجت لما هو أوسع ولم تعد حكراً كمصدر عقائدي فأصبحت تتناول إفكاراً وقناعات سياسية واجتماعية واقتصادية، وعادةً ما تقوم الأدلجة على وعي زائف وضيق أفق.

والمؤدلج هو شخص يؤمن بما تلقن به منذ صغره وبين مجتمعه، وعندما كبر ظن أنه يملك الحق والحقيقة المطلقة ولكن هو لا يعلم أن كل ما في رأسه حشو فقط، وأيضاً ليس لديه عقل للتفكير خارج ما أدلجه عليه مجتمعه أو جماعته المنتمي إليها، وعقله ليس ملك له بل هو ملك لمن أدلجوه.

ويقول العلّامة السيد كمال الحيدري، وهو من أئمة الشيعة المفكرين في وصف المؤدلج بأنه شخص يقوم بتوظيف واستخدام فكر أو فهم أو تفسير عمل أو سيرة لخدمة هدف وغاية مشخصة، والفكر المؤدلج له ثلاث خصائص:-

1 - انتقائية النصوص سواءً من الشرائع الدينية أو غيرها في تحصين الدفاع عن فكره وغايته.

2 - الإسقاطية ( قراءة الماضي التاريخي بصورة الحاضر) دون اعتبار للظروف التي أحاطت ذلك الماضي.

3 - التوظيف والاستخدام والاستثمار في توظيف ذلك التراث للغايات المطلوبة من المؤدلج.

وهو هنا يحذّر من المؤدلجين فكرياً فى السعي بشحن العباد والبلاد.

ونحن في هذا الشهر الفضيل من السنة الجديدة ندعو الله أن يهدي جميع المؤدلجين أصحاب الهوى والغاية إلى طريق الصواب والبعد عن ما يثير القلاقل والفتن، مستذكرين قول الله سبحانه وتعالى:- «تلكَ أُمةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون» (سورة البقرة الآية 134 و141)، «تلك» إشارة إلى سيدنا إبراهيم ويعقوب وبنيهما الموحدين عليهما السلام «أُمة» أي: جيل وجماعة «قد خلت» أي: سلفت ومضت «لها ما كسبت» في إسلامها من الاعتقادات والأعمال والأخلاق «ولكم ما كسبتم» أي مما أنتم عليه من الهوى خاص بكم، لا يُسألون هم عن أعمالكم «ولا تُسألون عما كانوا يعملون» والمعنى أن أحداً لا ينفعه كسب غيره متقدماً كان أو متأخراً.

والله المستعان.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي