مشاهدات

لنا في قصص الأنبياء عِبرة

تصغير
تكبير

ذكرَ المولى عز وجل في كتابه الكريم قصصاً كثيرة لأنبيائه وما واجهوه من مِحن ومصاعب في طريق دعوتهم للدين، وكذلك يبين لنا الحِكم والعِبر من تلك القصص.

ففي قصة سيدنا سليمان (عليه السلام) وطائر الهدهد الكثير من الدروس والعِبر والحِكم والتنظيم في شؤون حياتنا اليومية العملية والاجتماعية، والإعجاز كان في كيفية التواصل بين الإنسان والهدهد (الطير)، فهذه من معجزات الله سبحانه لأنبيائه...

عادةً الحديث بين طرفين مختلفين ثقافياً يحتاج إلى لغة مشتركة للتواصل بينهما، مثلاً، هما بحاجة إلى وسيط يترجم اللغتين اللتين يتحدثان بهما، أو معرفتهما بلغة أخرى مشتركة تجمعهما يتحدثان بها، فكيف ان كان الحديث بين الإنسان والطائر، فهذا إعجاز من الخالق سبحانه.

وبعد البحث أكثر في تلك القصة الغاية بالروعة وجدت فيها الكثير من العِبر والدروس العظيمة، التي نحتاج إليها في الحياة وهي كالتالي:

1 - الحديث مع الآخر والتواصل مع الشعوب:

أمر مطلوب، ونص عليها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: «وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ».

وذلك لما فيها من الكثير من الفوائد للطرفين، فالهدف منها مشاركة المعرفة والتواصل بين الثقافات المختلفة، وفهم كيفية تصرف المنتمين لتلك الدول مع العالم المحيط بهم، فالتلاقح الثقافي بين الشعوب سمة حسنة، وأساس وركيزة لتطوير المهارات لدى الأفراد.

2 - كيفية القيادة خلال الاجتماع مع المسؤولين:

فالقائد يتميز بتفقد الجميع الذين تحت إدارته، ومعرفته بهم، وفي قصة سليمان مع الهدهد، لم يجد النبي سليمان عليه السلام (الهدهد).

«وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ»،

ويدل ذلك على اليقظة، والانتباه، لمن معه، ومعرفته بكل الحضور، وكذلك معرفته بمن غاب عن الاجتماع بعذر، ومن غاب من دون عذر، وهو يعلم بأنه لم يرسله لمهمة ولم يأخذ الهدهد إذناً لغيابه، وفي تطبيق هذه الأمور التي وردت في القصة على حياتنا، وهذا أمر مهم، نستخلص بأن المسؤول يجب عليه أن يكون على عِلم بكل من يعمل تحت قيادته، وأن يحرص على سلامتهم وتوفير الأمان لهم، وإعطائهم الفرصة لإبداء الرأي، وتقديم الاقتراحات، والإصغاء، والاستماع الجيد لهم، وخلق جو صحي يبث الراحة والطمأنينة في النفوس.

3 - العقاب لمن لم يكن صادقاً في نقل الخبر:

أي أن الأمر ليس فوضى، ولا يطلق العنان لكل فرد أن يتهم الآخرين بقول أو عمل ومن غير دليل كيفما شاء وكما يحلو له، ومن دون أي حساب، وأيضاً لا يتم تطبيق العقوبة، إلا بعد التأكد من عدم صحة ما نقل من اتهام عن الآخرين.

‏«قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ».

وكذلك العقوبة تكون بتدرج مثل ما ورد في القصة:

«لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ»

أ - أشدها الذبح.

ب - أقلها العذاب.

ج - نجاته بصدق ما ذكره.

4 - المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ألا يطغى الانفعال على العقل عند الغضب، وليتم البحث بتروٍّ وهدوء للتأكد من الخبر، وعدم التسرع والحكم مسبقاً.

وللأسف، نشاهد ونقرأ في بعض اللقاءات المرئية وبعض الصحف الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، سيلاً من الاتهامات والطعن في ذمم الآخرين والتخوين بين أفراد المجتمع الواحد، وبهذا السلوك المشين يتسببون في إلحاق ضرر كبير بأبرياء والذين سوف يدانون فوراً بسبب توجيه التهم الباطلة لهم!

وهذا إجحاف بحقوق الناس، فلا يجوز التشهير بكرامات الناس جزافاً ومن دون دليل، بل ذلك يخالف تعاليم ديننا الحنيف.

5 - التقرير يكون مبنياً على حقائق، أي لا يكون بالظن والفرضيات... انما يكون بيقين وتأكيد وواقع صحيح، وللأسف إنّ إساءة الظن بالآخر صفة سيئة ومذمومة انتشرت في حياتنا اليومية، فلا يخلو تجمع ويحدث فيه سوء فهم للآخر إلاّ بدأت الإشاعات والأقاويل ضد الآخرين، والسبب الاختلاف في فهم وجهة نظر الآخر، أو يكون عن قصد للإساءة للآخر.

6 - حُسن اختيار الألفاظ:

اختيار الألفاظ بطريقة رائعة ومن أمثلة ذلك:

«أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ»

فالإحاطة هنا شاملة لجميع جوانب الحدث أو الخبر الذي جاء به دون أن يترك ثغرة فيه.

وكذلك قوله «بِنَبَأ يَقِينٍ»

فلقد ذكر الهدهد لفظ «نبأ» بدلاً من «خبر»، لأن النبأ أصدق من الخبر، وكذلك يدل استخدام النبأ اليقين على شدة تيقن الهدهد من صحة المعلومات الإخبارية، وكذلك اختياره للفظ السجود في قوله «يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ».

فهذا دليل على أن العبادة لا تتم إلا بالسجود لله الخالق الوهاب، فالسجود أصل العبادة.

7 - كان الهدهد وسيلة إعلامية أمينة في نقل الخبر بصدق.

وهكذا المفترض أن تقوم جميع الوسائل الإعلامية بنقل الأخبار بأمانة وصدق فعندما يكون الخبر صادقاً فالنتيجة تكون أن تحل المشاكل بالحل الأفضل.

والبعد كلياً عن تداول الأخبار الكاذبة والمضللة بهدف إلحاق الضرر بالآخرين لنيل مكاسب مالية أو شخصية أو حزبية.

وفي الختام... نخلص بان كل حياتنا وأعمالنا وتصرفاتنا تكون ناتجة عن اثنين لا ثالث لهما وهما: «الحب والبغض».

فبالمحبة والمودة والتعاون نسعد، وبالبغض تكون القطيعة والهجران، فالمحبة هي التي تجمعنا وتربطنا.

اللهم اجعل بيننا من المحبة تمامها ومن المودة دوامها ومن الرحمة شمولها، كما قال الله تعالى:

«وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»

اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله ربِّ العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي