أين أصبحت إسرائيل وأميركا من هدف تدمير «حماس»؟

البحث عن ناجين بعد غارة إسرائيلية على حي الدرج في غزة (أ ف ب)
البحث عن ناجين بعد غارة إسرائيلية على حي الدرج في غزة (أ ف ب)
تصغير
تكبير

أظهر آخِر الاستطلاعات في إسرائيل، أن 70 في المئة من المستوطنين يؤيدون تقديم موعد الانتخابات المقرَّرة في أكتوبر 2026 لفقدانهم الثقة بما تستطيع حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنجازه، خصوصاً لانعدام الثقة بقدرة الجيش والحكومة على توفير الأمن الذي كان سبب قدوم المهاجرين إلى فلسطين وتدفُّقهم شهرياً لسلب المزيد من الأراضي الفلسطينية منذ عام 1918. ويعود سبب ذلك لوعود نتنياهو بتحقيق «النصر المطلَق» باجتياحه مدينة رفح ليعود لاقتحام كامل غزة من جديد ملوّحاً «بنصر» بعيد المنال، خصوصاً ان القتال اشتد شراسة عما كان عليه في الأشهر الماضية.

إضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل فتحتْ حرباً جديدة على الضفة الغربية لتشل القدرات الاقتصادية فيها، في الوقت الذي ترتفع خسائر إسرائيل الاقتصادية والأكاديمية والسياسية على المستوى الخارجي إلى مستوى لم يسبق له مثيل بما يكشف أزمات نتنياهو المتعددة خصوصاً أنه لايزال بعيداً كل البُعد عن هزيمة «حماس» وتدميرها.

فبعد مرور نحو 8 أشهر على الحرب، تآكلتْ إنجازات إسرائيل التي أصيبت بالجنون بعد اعتراف دول أوروبية (ايرلندا، اسبانيا والنروج) بفلسطين كدولة في أعقاب طلب 134 دولة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة إعطاء فلسطين عضوية كاملة وليس صفة مراقب فقط.

وأعلن المدعي العالم للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أنه أوصى بإصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت بسبب الأدلة التي تشير لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية دفعت دولاً عدة حليفة لإسرائيل لإعلان ان اعتقال نتنياهو وغالانت سيتم إذا وطأت قدماهما أرض الدول الموقّعة على اتفاق روما الذي يَعترف بسلطة «الجنائية الدولية». وكذلك أمرت محكمة العدل الدولية بوقف الحرب على رفح فوراً والسماح للمساعدات ومفتشي الأمم المتحدة بدخول غزة.

ورغم عدم اعتراف إسرائيل بها ولا التقيد بقراراتها، إلا أن قرارات محكمة العدل و«الجنائية الدولية» تلزم الدول الغربية وتشق صفوفها وتضعها في موقف لا تستطيع معه الاستمرار في دعم إسرائيل التي أصبحت شبه منبوذة.

كل ذلك يُشكّل ضغطاً ديبلوماسياً هائلاً لوقف قتْل الفلسطينيين. إلا أن ذلك دَفَعَ نتنياهو للهروب إلى الأمام بقصف رفح بشدة، مرسلاً الجيش الإسرائيلي نحو الضفة الغربية ليقتل عشرات الفلسطينيين في جنين ويدمّر طرقها وبنيتها التحتية.

وتبعه تصريح وزير المال المتطرف بتسلئيل سموتريش لجهة انه لن يعطي السلطة الفلسطينية من أموال المقاصة التي تشمل الجمارك والضرائب والتي تمثل 63 في المئة، أي 220 مليون دولار من أصل 300 مليون من الدخل والميزانية التي تحتاجها السلطة الفلسطينية شهرياً.

وقد يُسبّب هذا القرار انهياراً مالياً كارثياً وشللاً اقتصادياً يمكن أن يدفع السلطة في الضفة - التي لا ترغب بالخيار المسلّح لتحرير الأرض - لوقف دفع الرواتب ويؤدي إلى عجزها عن سداد فواتير الكهرباء لإسرائيل. وقد بلغ معدل البطالة في الضفة نسبة 35 في المئة بعدما ألغى سموتريش تصاريح تنقل 180 ألف فلسطيني يعملون خارج الضفة.

واقتطعت إسرائيل 6 مليارات دولار من أموال المقاصة العائدة للسلطة في الأعوام العشرة الماضية. وأكد سموتريش أن «إسرائيل ستبني مستوطنة جديدة عند إعلان أي دولة اعترافها بفلسطين كدولة»، من أراضي الضفة الغربية.

هذا بالإضافة إلى تظاهرات الجامعات الغربية ودعوة الطلاب لوقف جميع أشكال التعاون مع الجامعات الإسرائيلية. وهذا ما دفع 1300 جامعي إسرائيلي للطلب من الحكومة وقف الحرب كي لا تتأثر التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة إذا أغلقت جامعات العالم أبوابَها لإسرائيل.

وقد عبّر رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد عن أن الحالة التي وصلت إليها إسرائيل تعبّر عن «فشل سياسي» (لنتنياهو) بسبب فشله العسكري في هزيمة «حماس» وإنهاء الحرب. وأكد اللواء جادي شامين، قائد فرقة غزة سابقاً ان «حكومة نتنياهو حكمت علينا بالتخبط لسنوات طويلة آتية وبعزلة وأضرار اقتصادية جسيمة. فحماس ستتكبّد خسائر ولكن لن يتم القضاء عليها عسكرياً. إلا ان المشكلة الحقيقية ان مكانة إسرائيل تآكلت، هي التي كانت قوة إقليمية حتى السابع من أكتوبر. ووفق ما يجري اليوم على أرض المعركة، فلن نحقق أهدافنا».

كل يوم وكل شهر يمرّ، منذ ثمانية أشهر، تَفقد فيها إسرائيل مساحة من الأرض التي أنشأت عليها دولتَها المغتصِبة، بعد نزوح مئات الآلاف من سكانها عن الحدود مع لبنان وغلاف غزة. وقد دوّت صفارات الإنذار آلاف المرات منذ ان بدأت حكومة إسرائيل الحربَ على غزة لتشتدّ أكثر منذ بداية معركة رفح التي كان من المفترض ان تكون آخِر معارك نتنياهو. إلا ان الحقيقة تدل على خلاف ذلك.

إذ يقول قادة عسكريون إسرائيليون إنه «لا توجد حربٌ بل قتال متواصل في غزة يَقترح فيه رئيس الوزراء العودة إلى المناطق جميعها وكأننا نعود إلى بطن أمّنا». ويؤكد اللواء أورن زيني، قائد اللواء الشمالي في غزة سابقاً، انه «إذا أردْنا حل مشكلة غزة فلا بد من العودة للأيام الأولى من الحرب وزج خمسة فرق عسكرية تقسم القطاع لتدمير «حماس» وإجبارها على تقديم تنازلات في المفاوضات».

ولا يشرح زيني كيف سيدمّر «حماس»، وكيف أنه في الوقت نفسه تحتاج إسرائيل للعودة إلى التفاوض مع المقاومة الفلسطينية من جديد والقبول بمقترحاتها أو محاولة التوصل إلى توافق مشترك.

والجنرال الاسرائيلي ليس وحده في تَناقُض مستمر، إذ أعلن مسؤول المفاوضات الجنرال نيستان آلون، انه أعدّ مقترحاً يتعلق بإمكان إظهار ليونة تتعلق بآلية الإفراج عن الأسرى وعودة النازحين إلى الشمال.

فنتنياهو لا يريد إعطاء صلاحيات للوفد بما يتعلّق بوقف الحرب ولكن أعطاه بعض الصلاحيات المحدودة بعد اربع ساعات من المناقشات مع أعضاء الحكومة. وتتفق معه أميركا في قسم من أهدافه بالتفاوض من دون إنهاء الحرب ليتم لاحقاً القضاء على حماس ولكن ليس بالطرق العسكرية.

إذ أعلن مستشار الأمن القومي الحالي تساحي هانغبي ان إسرائيل «تسعى لإنهاء وجود أي قوة عسكرية تقتلنا عندما تقرّر ذلك. وفي رأينا ان لا بديل من تدمير القدرات العسكرية والسلطوية لحماس حتى ولو استغرق ذلك أكثر من خمس سنوات».

هذا يعني ان إسرائيل غير مهتمة بأي مفاوضات تشمل وقف الحرب التي تخطط لاستمرارها لسنوات طويلة، ولا بأي خطة غير عسكرية عدا إخراج حماس من غزة والضفة، وهذا ما لن توافق عليه المقاومة.

وأكد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن انه «يمكن شنّ عمليات عسكرية بفعالية في غزة بالتزامن مع حماية المدنيين في ساحة المعركة». وكذلك أوضح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ان أميركا «تعمل مع إسرائيل للقضاء على حماس وتسخّر كل إمكاناتها لتحقّق إسرائيل هدفَها».

ولكن أهداف إسرائيل غير ثابتة، فأميركا لا تريد لإسرائيل ان تعيد حكمها لغزة وكذلك لا ترغب القيادة العسكرية الإسرائيلية في ذلك. إلا ان وزراء الحكومة المتطرفين الذين يمثلون الجهة الأساسية الداعمة لبقاء نتنياهو في الحُكْم لديهم خطط مغايرة. إذ أعلن وزير الأمن ايتمار بن غفير ان «الهدف احتلال غزة في شكل تام وسيطرة إسرائيلية على القطاع واستيطان يهودي بعد هجرةٍ يغادر فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين ليتركوا المجال لمزيد من المستوطنين».

لقد استخدمت إسرائيل سلاح التجويع والدمار العسكري الشامل للبنية التحتية والمدنيين بسبب فشلها في إنهاء «حماس» بالوسائل العسكرية.

ودخل نتنياهو إلى رفح واحتلّ الجزء الأكبر من محور فيلادلفيا الملاصق لمصر التي تراقب بحذر التحرك الإسرائيلي.

ومن ثم أعاد الجيش الإسرائيلي إلى الشمال والوسط بعد سبعة أشهر ليتضح له ان «حماس» لم يُقْضَ عليها وهي مازالت تقاتل بشراسة وأعادت تنظيم صفوفها.

لذلك، فإن قول إن «إسرائيل تحتاج لسنوات للقضاء على حماس» ما هو إلا التحضير لحرب طويلة وان إنهاء الحركة ليس بنزهة وأن القضاء عليها لا يمكن تحقيقه في القريب المنظور.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي