عجز أميركي و«مراوغة» إسرائيلية في مفاوضات «الفرصة الأخيرة»

«ماء وجه» نتنياهو... يُطيل أمد الحرب

فلسطينيون يفرون من رفح على متن شاحنة أمس	 (رويترز)
فلسطينيون يفرون من رفح على متن شاحنة أمس (رويترز)
تصغير
تكبير

سيطرت إسرائيل على مسافة 3 كيلومترات من أصل 14 كيلومتراً من طول «محور فيلادلفيا» المعروف باسم صلاح الدين، الذي يفصل مصر عن قطاع غزة، لتنتشر الدبابات الإسرائيلية على بُعد أمتار قليلة من الجيش المصري، الذي قابَلَ هذا التجرؤ بتحذيرٍ شديد اللهجة واصفاً الانتشار الإسرائيلي بالخطر على أمن مصر القومي.

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي ظَهَرَ داخل غرفة الكلية العسكرية المصرية وظهرتْ معه بياناتٌ تدرس أمام الضباط نقاط ضعف الدبابة الإسرائيلية من الجيل الرابع الميركافا، وهو ما فُسِّر على أنه رسالةً واضحةً أغضبتْ تل أبيب، فأكدت أنها لا تنْوي خرقَ اتفاق 1978 المعروف بكامب ديفيد.

نتنياهو «المُراوِغ»

إلا أن رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي فوجئ بقبولِ حركة «حماس» باتفاق الهدنة دَفَعَ بدباباته من معبر كرم أبوسالم إلى معبر رفح القريب، ليؤكد أن وقفَ الحرب لا يصبّ في مصلحةِ بقائه في السلطة، ضارباً عرض الحائط بالضمانات التي قدّمتها أميركا لإنجاح مفاوضات «الفرصة الأخيرة».

ولكْبح جموح تل أبيب، أَمضى مدير الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز أسبوعين بين القاهرة وقطر، ليحطّ رحاله أخيراً في إسرائيل، مُفاوِضاً عن الرئيس جو بايدن.

تنازلات "حماس"

وكان بيرنز قدّم ورقة سبق لإسرائيل أن وافقت عليها ليحصل على ما أراده بانتزاع موافقة «حماس»، التي تنازلت عن نقاط كثيرة كانت قد رفضتها سابقاً. إلا أن المفاوضين، الأميركي والمصري والقطري، اصطدموا بحائط نتنياهو «المُراوِغ».

فمِن طلب مبادلة 500 أسير فلسطيني مقابل كل مجنّدة ألقي القبض عليها في السابع من أكتوبر داخل الثكن العسكرية، قَبِلَتْ «حماس» بخفض الرقم إلى 50 سجيناً فلسطينياً فقط بأحكام مختلفة.

ومقابل طلب انسحاب كامل من المدن منذ اليوم الأول لتوقيع الاتفاق، انتزعت مصر توازناً مقبولاً يقضي بالانسحاب الإسرائيلي من المدن فقط كخطوة أولى بعد اليوم 22 من التبادل لإثبات حُسن نية، وهكذا دواليك من نقاطٍ رَفَضَتْها «حماس» سابقاً وقَبِلت بها لاحقاً.

وبَدَلَ الإصرار على عدم تحليق الطائرات والمُسيَّرات الإسرائيلية بتاتاً فوق غزة منذ اليوم الأول من الاتفاق، وافقتْ «حماس» على وقف التحليق لمدة 10 ساعات فقط في المرحلة الأولى والتوقف التام في المرحلة التالية. وهكذا في بنود عدة، قدّمتْ «حماس» تنازلاتٍ مهمةً ووافقتْ على الورقة المصرية التي كانت إسرائيل قَبِلت بها قبل أسبوعين من الإعلان النهائي للاتفاق.

مفاوضات القاهرة

إلا أن نتنياهو أَظْهَرَ أنه غير مهتمّ بأي اتفاق: إذ بعد دفْع دباباته نحو الحدود مع مصر وإغلاق معبر رفح، أرسل وفداً تفاوضياً مستمعاً إلى القاهرة لا يضمّ رئيس جهاز «الموساد» ولا رئيس جهاز «الشاباك» ولا أحد من الشخصيات الأمنية الرفيعة المستوى، التي سبق لها أن شاركت في المفاوضات السابقة. وهذا الموقف الإسرائيلي ليس نابعاً من أهداف نتنياهو بالقضاء على «حماس» وتحرير الرهائن والأسرى كما يدّعي، خصوصاً أن جيش الاحتلال انسحب من الشمال والجنوب، حيث عادت «حماس» إلى تلك المناطق لتعيد تنظيم صفوفها وسيطرتها، بل لأن حلفاءه داخل الحكومة يهددون رئيس الوزراء بالاستقالة إذا أوقف الحرب على رفح، وتالياً هو يرسل وفداً إلى القاهرة لا يملك أي صلاحية للتفاوض.

وأكد نتنياهو أن دخول رفح «عملية محدودة»، بينما أعلن وزير دفاعه يوآف غالانت أن «العملية ستتوسع لتشمل كامل منطقة رفح»، ما يدل على أن نتنياهو يعيد السيناريو السابق الذي بدأ فيه باحتلال شمال غزة حيث أعلن أنه «يقوم بمناورة عسكرية محدودة في مخيم الشاطئ» لتتحوّل المناورة المحدودة إلى حرب شاملة دمّر فيها الشمال وتبِعها الجنوب.

تضارب واضح

وهناك تَضارُب واضح في كلام نتنياهو الذي يؤكد أن جيشه قضى على 14000 عنصر من «حماس» وأنه تبقى هناك 4 من أصل 24 كتيبة للحركة، بينما تؤكد السلطات العسكرية الإسرائيلية أن تعداد الحركة، يبلغ ما بين 40000 إلى 60000 عدا عن أعداد أفراد المقاومة الفلسطينية من الفصائل الأخرى والذين يُعدّون بالآلاف وعلى رأسهم حركة «الجهاد الإسلامي». وتالياً فإن احتلال رفح لن يُحقق أبداً الهدف المنشود بالقضاء لا على «حماس» ولا على باقي فصائل المقاومة.

"الراية البيضاء"

لا يثق أحد بما يقوله نتنياهو حول أهدافه أو وعوده أو اتفاقاته. فهو يخدع «حماس»، وكذلك المفاوضيْن المصري والقطري ويكذب على بايدن، الذي وضع اسمه الشخصي كضامِنٍ بعد رفض الدور الروسي والتركي كضامنيْن للاتفاق.

ويبدو أن الصفقة الوحيدة التي يهتمّ بها نتنياهو هي رفع «حماس» الراية البيضاء، وهذا ما لن يحصل خصوصاً بعدما أظهرت المقاومة الفلسطينية قدرتها على الصمود ومواصلة القتال ولكن، في الوقت نفسه، هي تريد تخفيف الضغط على الشعب الفلسطيني داخل غزة بعد 7 أشهر من الدمار الشامل برمي الكرة في الملعب الإسرائيلي - الأميركي.

تطهير عرقي

ويبقى السؤال: كيف ستحافظ أميركا على الحد الأدنى من الاحترام الدولي إذا لم تستطِع تنفيذ وعودها ولم تلتزم بدورها المُفاوِض بالنيابة عن إسرائيل ولم تمنع التطهير العرقي الذي تقوم به تل أبيب بتهجير الفلسطينيين من مناطق رفح من الشمال إلى الجنوب ومن ثم إلى مناطق جنوبية غير آمنة ومدمَّرة لا تتسع لمليون ونصف لاجئ؟

خطةرمزية

جلّ ما قامت به واشنطن كتعبير عن امتعاضها من إسرائيل وقف حمولة شحنات أسلحة مؤلفة من 1800 قذيفة ألف رطل و1700 قذيفة 500 رطل. وتُعتبر هذه خطوة رمزية لن تثني نتنياهو عن خطته بالبقاء في منصبه على حساب الفلسطينيين والأسرى والرهائن الإسرائيليين لأطول وقت ممكن. بالإضافة إلى ذلك، فإن رئيس أقوى دولة في العالم أصبح يكتفي بالضغط في شأن فتح المعابر الإنسانية لتزويد غزة بالغذاء والنفط وذلك لمنع رد فعل عالمي تجاه أميركا واتهامها بالموافقة على تجويع السكان المدنيين.

جبهة رفح

لا شكّ في أن نتنياهو لا يريد التفاوض لوقف الحرب لأنه لم يضع ملاحظاته على الصفقة التي وافقت عليها «حماس» بل لجأ لفتح جبهة رفح لمنع تثبيت وقف إطلاق نارٍ مستدام أو ممتدّ يَخشى أن يصبح دائماً يُنْهي الحرب ومستقبله السياسي.

ويبحث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن مخرج لا يؤدي إلى انتخابات مبكّرة بل يحفظ له ماء الوجه، خصوصاً بعد فشله في أهدافه المعلنة. والبديل عن ذلك هو استمرار الحرب وتمدُّدها نحو كامل رفح وفتْح جبهة ضدّ لبنان تعطيه الأشهر الخمسة أو الستة الكافية للبقاء في السلطة إلى حين اتضاح الخيط الأبيض من الخيط الأسود حيال مَن سيحكم أميركا مستقبلاً، وماذا سيقدّم الرئيس الجديد - أو المنتخَب مجدداً - لإنقاذه من ورطة الحرب التي لا يجد لها حلاً سوى المماطلة.

أوستن

وفي واشنطن، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أمام الكونغرس، إن البيت الأبيض «يراجع حالياً بعض شحنات المساعدات الأمنية لإسرائيل على المدى القصير، في سياق الأحداث الجارية في رفح».

وأضاف «تم تعليق شحنة من الذخائر شديدة الانفجار إلى إسرائيل في ظل الأحداث الحالية».

قائمة إسرائيلية بأعداد الرهائن

نشرت إسرائيل، أمس، قائمة رسمية تضم 252 أسيراً تم تحرير بعضهم، والباقي ما زال في قطاع غزة، منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023.
وتضم القائمة 128 أسيراً حالياً في غزة كالتالي:
- 109 رجال و19 امرأة بينهم 38 قتيلاً جثثهم لدى «حماس»
- جنسيات المختطفين: 117 إسرائيلياً و11 أجنبياً (ثمانية تايلنديين، نيبالي واحد، تنزاني واحد، وفرنسي)
- 124 محرراً آخرين استعادتهم إسرائيل وبينهم 12 قتيلاً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي