فجعت الثقافة الخليجية بوفاة «الشاعر الرسام» الأمير بدر بن عبدالمحسن، مهندس الأغنية السعودية، وامتد الحزن إلى الكويت وعشاق الشعر الشعبي وكذلك في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي.
ولد الشاعر في الرياض عام 1949م وتوفي في الرابع من مايو عام 2024م (أمس)، وقد درس في جمهورية مصر العربية ولديه دواوين شعرية أهمها ديوان يحمل اسم «ما ينقش العصفور في تمرة العذق»، وهو يقدم تجربة شعرية حديثة كانت بمثابة انتفاضة في الشعر الشعبي، فوجد من يؤيده ومن يخالفه إلا أنهم يتفقون على شاعريته وتميزه كونه لا يقلّد أي شاعر ولم يتأثر بشاعر معين بل استطاع أن يقدم بصمته الشعرية التي تمثل هويته.
لا أعرف الشاعر الراحل بصفة شخصية، بيد أني تابعت له بعض اللقاءات التلفزيونية عبر (اليوتيوب)، فكان متواضعاً بصورة كبيرة وهو تواضع يفتقده الكثير من الشعراء الشباب، وأعرف بعض من عرفه عن قرب وتعامل معه فقالوا إنه يمتاز بدماثة الخُلق وبصورة إنسانية مع الكثير من الناس.
وارتبطت إبداعاته الشعرية بتطور ونضج الأغنية السعودية على مدى أكثر من نصف قرن مع العديد من المطربين السعوديين والخليجيين الذين كانوا يبحثون عن آخر إبداعاته الشعرية التي تحمل مواصفات الأغنية الحديثة المتطورة.
ومن بين أشهر المطربين الذين تعاملوا مع قصائده الفنانان محمد عبده وطلال مداح، بالتعاون مع مجموعة من الملحنين فكان الإبداع الذي نتج عنه حصاداً فنياً كبيراً متمثلاً بتطور الأغنية السعودية التي أصبحت الأولى خليجياً والمنافسة عربياً.
وبالنسبة لي فإن أجمل الأغاني التي كتبها الشاعر الراحل هي أغنية وطنية تحمل اسم «فوق هام السحب»، غناء محمد عبده، والتي ما زالت تحقق النجاحات رغم مرور أكثر من أربعة عقود من الزمن، إضافة قائمة طويلة من الأغاني منها «فمان الله» وقتها لم يكن هناك هواتف نقالة حديثة ووسائل التواصل الاجتماعي فكانت الرسائل مناسبة للعصر الذي كتبت فيه فقال:
وجت تأخذ رسايلها
وخصلة من جدايلها
وتديني جواباتي
بقايا عمر بسماتي
وقالت لي فمان الله
ولم يكن الشاعر الراحل يكتب الشعر النبطي وشعر التفعيلة باللهجة الشعبية بصورة عادية بل كان يكتب بصورة حديثة وبخيال واسع بل إنه يستخدم الرمز في شعره.
وقال الفنان طلال مداح، إنه قام بغناء أغنية «قصت ضفايرها» وإنه استغرب من مفردة «قصت ضفايرها» فعرف أن المرأة العربية كانت تقوم بقص ضفايرها عندما تحدث لها مصيبة ما، الأمر الذي يعكس ثقافة الشاعر الراحل، كما أن تفاصيل أحداث تلك الأغنية إنما تنم عن خيال رسام استطاع أن يترجم الأحاسيس والأحداث إلى قصيدة رائعة منها:
ولو رمى طفل حجر
عكر مواعيد الهنا
ولم يكن الشاعر الراحل يجد منافساً له من شعراء الأغنية على المستوى الخليجي سوى الشاعر الشهيد فايق عبدالجليل، رحمهما الله، معاً.
همسة:
رحل بدر بن عبدالمحسن، وإبداعاته خالدة في ذاكرة الأغنية السعودية.