مهندس أرشفة الصُحف وميكنة الوثائق يُطلق كتابه «بيروت في ذاكرة الكويت»
حمزة عليان... 6 عقود شاهد عيان
ستة عقود، قضاها الإعلامي اللبناني المخضرم حمزة عليان في بلاط صاحبة الجلالة متنقلاً بين «الحوادث»، و«السفير»، و«القبس»، و«الخليج» الإماراتية، إلى أن حط رحاله في الزميلة جريدة «الجريدة».
وإن كان لـ«السلطة الرابعة» رونقها، فإن أرشفة نتاجها وحفظه لا يقل أهمية عن محتواها، وقد جمع عليان بين الحُسنَيَين: فتارة يخلق المادة الصحافية خبراً ولقاء وتقريراً وتحقيقاً، وأخرى يؤرشفها ويوثقها.
وفيما ساق القدر عليان ليكون شاهد عيان على أحداث جسام، ووقائع كبرى في تاريخ المنطقة، فإن التعب لم يتسلل أبداً لعزيمة هذا الإعلامي الذي يُصنّف كواحد من شيوخ مهنة المتاعب، رغم حساسية الملفات التي سبَرَ أغوارها.
أرّخ عليان، من خلال 24 كتاباً، لفئات عريضة من المجتمع فكتب «المسيحيون في الكويت»، و«الأرمن في الكويت»، و«اليهود في الكويت». كما أرّخ للأشخاص فكتب «وجوه من الكويت»، و«وجوه خليجية».
كان لعليان قصب السبق في وضع أول خطة متكاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات في العام 1995، وتأسيس مشروع ميكنة الوثائق بواسطة برامج إلكترونية في مركز معلومات «القبس».
عليان الذي تدرّب في صحيفة «لوموند» الفرنسية على أعمال الأرشفة والتوثيق في العام 1973، أطلق مساء أول من أمس الأحد في ديوانية السفارة اللبنانية كتابه «بيروت في ذاكرة الكويت 1915 - 2024» الصادر عن منشورات ذات السلاسل، ليحكي في هذا الإصدار حكاية بلدين صغيرين أحدهما على الطرف الشرقي للبحر المتوسط، والآخر على الزاوية الشمالية الغربية للخليج العربي، وهما موقعان إستراتيجيان يربطان دولاً بدول وقارات بقارات، الأول حباه الله بجمال الطبيعة والثاني أغدق عليه نعمة الذهب الأسود.
وإذا كان عبدالرحمن الجبرتي، أحد أشهر المؤرخين العرب والمسلمين قد نقل لنا تفاصيل الدولة العثمانية والحملات الفرنسية، فإن عليان كان شاهد عيان وناقلاً أميناً لأحداث كويتية جسام قبل وبعد الغزو العراقي للكويت، وساهم في الحفاظ عليها وأرشفتها وتصنيفها.
ويرى عليان، الذي دخل الصحافة من باب الأرشيف، أن «البلدين متشابهان في الجغرافيا السياسية والحدودية، وكلاهما دفع ثمن موقعه وتميّزه»، معتبراً كذلك أن «ثمة تشابهاً بينهما في المظهر الاجتماعي والحريات العامة، فقد كانت علاقتهما عفوية تلقائية، ثم حميمية دافئة ومتميزة، الرسمية منذ ما يقرب من ستة عقود، والشعبية منذ ما يزيد على ثلاثة أرباع القرن».
جاء إلى الكويت في عام ولادة «كونا»
أكد عليان خلال تقديم كتابه أن «عمره في الكويت يتساوى مع عمر وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، فقد أتى للكويت في العام 1976 وهو نفس العام الذي بدأت فيه الوكالة الرسمية بالعمل».
وأضاف: «أنا أؤمن بالتوثيق والتدوين أكثر من إيماني بذاكرة بعض البشر»، لافتاً إلى أن «الذاكرة تشيخ، ولذا كنت حريصاً على أن أكتب وأسجّل وأحتفظ بالصحف والمراجع».
أول لبناني في الكويت
ينقل عليان عن كتاب «الهجرة اللبنانية إلى الكويت»، الذي كتبه الدكتور خليل أرزوني، أن أول مهاجر لبناني هو منيب الشلبي الذي جاء في العام 1915 مع شقيقه بدر قادمين من أندونيسيا مروراً باليمن ثم البصرة وصولاً إلى الكويت، وكان يُسمى منيب السوري وعمل في تصليح الساعات، بينما عمل شقيقه في التصوير، وهما في الأصل من مدينة طرابلس في شمال لبنان.
عزت محمد جعفر مستشار أحمد الجابر
أرّخ الكتاب لمجيء عزت محمد جعفر اللبناني الأصل إلى الكويت في العام 1935، وارتبط بعلاقة صداقة مع سمو أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح، وأصبح مستشاراً سياسياً لسموه اعتباراً من 1940، بعد حصوله على الجنسية الكويتية وهو من أوائل اللبنانيين الذين أصبحوا كويتيين ومارسوا التجارة والسياسة.
أول مضيفة
أشار عليان إلى السيدة سلوى أبوسمرة، هي أول مضيفة جوية لبنانية عملت لدى شركة الخطوط الجوية الكويتية في العام 1954، وتلقت التدريب على الإسعافات الأولية والتمريض في مركز الصليب الأحمر في بيروت بتكليف من الشركة، وظلت المضيفة الوحيدة لمدة خمسة أشهر حتى عيّنت الشركة مضيفات أخريات.
أحمد سلامة... قاهر السُلّ
أرّخ عليان لتجربة الدكتور أحمد محي الدين سلامة وهو من أوائل الأطباء اللبنانيين المهاجرين إلى الكويت، ومؤسس برنامج مكافحة داء السُلّ، ومدير المصح الصدري في منطقة الشويخ (مقابل مستشفى الصباح).
وتولى سلامة علاج الأمراض الصدرية والسُلّ في الكويت العام 1950، عندما كان مرض السُلّ منتشراً في الكويت بشكل واسع ولا يفرّق بين البادية والحضر.
واتخذ سلامة الخطوة الأولى في العلاج القائمة على عزل المرضى، ثم بدأ حملات التطعيم ضد المرض واستمر عمله حتى منتصف الستينيات.
الطبيب الخاص بالأمير
استعرض عليان سيرة الدكتور كميل الريس، الطبيب الخاص بسمو أمير البلاد الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، لافتاً إلى أن الريس من مواليد مدينة عاليه في العام 1932، ويحمل وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط الذي حاز عليه العام 1966.
وأشار إلى أن الريس كان موضع عناية أمير دولة الكويت في وقته، فجعله طبيبه الخاص ورافقه في جميع رحلاته وزياراته الرسمية.
لبناني اقترح اسم مجلة «العربي»
تطرّق عليان في كتابه إلى الدور اللبناني في الصحافة الكويتية وقطاع الإعلام والطباعة والتوزيع، لافتاً إلى أنه قبل صدور مجلة «العربي» في ديسمبر 1958 نشرت دائرة المطبوعات والنشر في الكويت إعلاناً لمسابقة اختيار أحسن اسم للمجلة، فورد إليها 612 اسماً اختارت اللجنة من بينها اقتراحاً تقدّم به اللبناني نبيل حليم دكاش.
أم الجميل رائدة التعليم
أشار الكتاب إلى تجربة السيدة أم الجميل مؤسسة واحدة من أوائل المدارس الخاصة (روضة الجميل) العام 1960 والتي توسعت ووصل كادرها في العام 1994 إلى 70 أستاذاً وإدارياً وضمت أكثر من 5 آلاف طالب، ولم يكن في الكويت وقت تأسيس تلك الروضة سوى المدرسة الجعفرية والمدرسة الإنجليزية.
المشهد المتشابه
يرى عليان أن «المشهد السياسي بين البلدين يكاد يفضي إلى النتيجة المشابهة، فالكويت نالها من عبدالكريم قاسم هزات أصابت كيانها الناشئ ثم تعرضت لاحتلال عسكري من قبل نظام صدام حسين عام 1990، أُخرج منها بالقوة العسكرية وبإرادة قوى دولية، واستعاد هذا الكيان حريته وسيادته وترسيم حدوده بقرارات من مجلس الأمن الدولي، لكن بقي يعيش إرهاصات التاريخ والجغرافيا والحجم الأكبر».
ويضيف: «كذلك الأمر بين لبنان وسورية الذي عانى فيه لبنان من حكم الأمر الواقع السوري طيلة أكثر من ربع قرن 1975 إلى 2005 بعد أن أجبر على الخروج العسكري منه بفعل الضغط الشعبي والتداعيات الناتجة عن اغتيال رئيس الوزراء الشهيد رفيق الحريري، وإن استمر التأثير والنفوذ السوري بأشكال مختلفة، وهذا بخلاف ما لحق به من احتلالات عسكرية لأراضيه وانتهاك فاضح لسيادته وسقوط العاصمة بيروت 1982 من قبل إسرائيل وما تشكله من خطر قائم على وجوده، ناهيك عن أطماعها في مياهه وأراضيه منذ إنشاء هذا الكيان عام 1948 وتهجير الشعب الفلسطيني منه عندما وفد إليه مئات الآلاف منهم ليستقروا في قراه وعلى أطراف المدن».
محطات
- مؤسس ومدير مركز المعلومات والدراسات في «القبس» (1976 - 2019).
- سكرتير تحرير «القبس» (2015 - 2019).
- مستشار في جهاز التحرير بجريدة «الجريدة» (أكتوبر 2019 - حتى الآن).
- مستشار إعلامي في مجلس الأعمال اللبناني -الكويتي، الذي يعمل تحت مظلة السفارة اللبنانية في الكويت.
- الإشراف على مركز المعلومات في جمعية الهلال الأحمر الكويتي بصفة مستشار.
- كاتب مقال تحليلي في صحف عربية وخليجية.
- نشر تحقيقات في مجلات «العربي» و«الهوية» و«التقدم العلمي»، ونشرة أفق الصادرة عن مؤسسة الفكر العربي في بيروت.
المعلومات والأبحاث
تولى عليان وظيفة مسؤول قسم المعلومات والأبحاث والتوثيق في المؤسسات الصحافية التالية:
- مجلة الحوادث (بيروت) 1964 - 1972
- مجلة الدستور (بيروت) 1972 - 1973
- جريدة السفير (بيروت) 1974 - 1976
- جريدة القبس (الكويت) 1976 - 2019
- جريدة الخليج (الإمارات) 1990 (مدة 7 أشهر أثناء الاحتلال العراقي للكويت).
مؤلفات
- المياه... أزمة صراع حوض الفرات ومشاهد الانفجار عام 2000
- العلاقات الكويتية - اللبنانية (1962 - 2000) التشابه والقدر المشترك
- «وجوه من الكويت»...الجزء الأول
- «وجوه من الكويت»...الجزء الثاني
- «وجوه من الكويت»... الجزء الثالث
- «وجوه من الكويت»...الجزء الرابع
- الكويت ولبنان بين جغرافيتين ثمن الموقف والتميز
- زمان الكويت الأول- مشاهد وذكريات الجزء الأول
- زمان الكويت الأول- مشاهد وذكريات الجزء الثاني
- اليهود في الكويت وقائع وأحداث
- ممنوع من النشر- تاريخ الرقابة في الكويت
- المسيحيون في الكويت
- قراءة في تاريخ العلاقات الكويتية- اللبنانية
- وجوه من الكويت
- وجوه خليجية
- المسيحيون في الكويت (نسخة إنكليزية)
- الكويت وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي
- الكويت في الخمسينات
- التثمين في الكويت وأثره في التطور العمراني (إصدار مشترك مع فهد الشعلة)
- موسوعة الأوبئة الوثائقية «كورونا من المهد إلى اللقاح»
- الأرمن في الكويت - روايات تاريخية وشهادات موثقة
- رحلتي مع الصحافة 57 عاماً بين بيروت والكويت.
أحمد عرفة: كل لبناني
يحمل في قلبه حب الكويت
أثنى القائم بأعمال السفارة اللبنانية لدى البلاد أحمد عرفة على نتاج عليان الاعلامي، معتبراً أن «كتابه جاء حصيلة متابعة وافية لكل مراحل العلاقات التاريخية بين الشعبين والبلدين».
وأضاف: «نقدّر الشعب الكويتي الذي تربطنا معه صداقة متينة ونكن له كل الاحترام والتقدير لوقوفه ودعمه لبنان والشعب اللبناني، ولا يمكن أن ننسى بصماته الإنسانية الراسخة ومساهماته في شتى المجالات»، مؤكداً أن «كل لبناني يحمل في قلبه حباً وامتناناً للكويت».
مكرم عباس: التدوين
أساس النهضة
أكد مدير المركز الفرنسي للأبحاث في الكويت وشبه الجزيرة العربية الدكتور مكرم عباس الذي أدار النقاش حول كتاب عليان «أننا بحاجة للتدوين لأنه أساس النهضة العلمية والثقافية»، معتبراً أن «ما يميز العلاقات اللبنانية - الكويتية أنها قوية على المستويين الشعبي والرسمي في ذات الوقت، وهذا نادراً ما يحدث».