الميناء المنكوب... والقرار المسكوب !

تصغير
تكبير

-نحن نحلم... وغيرنا ينفذ !!

-محيطنا يتخطانا... بأفكارنا !!

-هل نحن نحزن على (فرصة راحت) ؟؟... أم أننا نحزن على ما بلغناه من التدهور في القدرة على اتخاذ القرار؟

كلمات مثل هذه سمعناها أمس تلازماً مع زوبعة كبرى شعبية وبرلمانية أفاقت عليها الكويت مع توارد الأنباء عن توقيع كل من قطر والإمارات وتركيا والعراق اتفاق التعاون في مشروع (طريق التنمية) للربط بين دول الخليج وأوروبا عبر ميناء الفاو.

الزوبعة كانت عاصفة جداً وكأن الامر كان مفاجئاً للكويت... وهذا غير صحيح طبعاً على الأقل بالنسبة للحكومة ولأعضاء مجلس الأمة، وكذلك للمختصين والمهتمين.

الاجتماعات التي طرحت وتداولت ونسقت لفكرة (طريق التنمية وميناء الفاو ) لم تكن سرية بل معلنة وشاركت فيها مجموعة من الدول -الكويت من بينها- وقد نشرت وسائل الإعلام عن هذه الاجتماعات على مدى عامين على الأقل، وكانت موجودة ورقياً وعبر نشرات الأخبار التلفزيونية أمام بعثاتنا الديبلوماسية في العراق وبقية الدول التي وقّعت الاتفاق المبدئي.

إن دولاً مثل الإمارات وقطر وتركيا والعراق هي دول مستقلة ومن حقها أن تعمل ما تراه يصب في مصلحتها، مثلما للكويت هذا الحق تماماً. ولهذا لا أتفق أبداً مع من صوروا الأمر وكأنه طعنة في الظهر، فالكويت تعلم كما قلنا أعلاه، وحتى لو لم تكن تعلم فمن حق الآخرين أن يعملوا لمصالحهم.

ولعله من الأهمية بمكان أن نوضح بجلاء أن الكويت عاشت سنوات طويلة من الفقر والفاقة والحاجة وتمكنت من تجاوز كل الصعاب بجهود أبنائها في مختلف المجالات من دون الحاجة إلى العراق الذي كان يرفل بالخير الوفير. وكذلك الأمر عكسياً، عندما واجه العراق سنوات صعبة تمكن من تخطيها ومازال يواجه الكثير من الصعوبات ولا يحتاج إلى الكويت بالضرورة.

ومن هنا، فإن الصدمة لديّ وأظنها لدى الكثيرين لم تكن في اكتشافنا المشروع الجديد بحد ذاته، ولم تكن تخص أشقاءنا في مجلس التعاون الخليجي ولا تركيا أو العراق، ولكن صدمتنا كانت في (القرار المسكوب... والميناء المسكوب... والمال المسكوب)... صدمتنا كانت صدمة «داخلية محلية كويتية»، وليست في الفرصة الضائعة بالعراق، فنحن لا نحتاجها لنحيا ولا هم يحتاجوننا ليحيوا... بل ونحن قادرون على الانضمام لهم متى شئنا إنْ عملنا على ذلك بجدية.

إذاً... الصدمة كانت في اكتشافنا إلى أي حد بلغ عجزنا عن اتخاذ القرار.

وإلى أي حد بلغ تجميد الأمور لدينا.

وإلى أي حد بلغ عجزنا عن التنسيق مع إخواننا.

لدينا ميناء تم إنجاز نصفه، وتوقف منذ نحو 14 عاماً إنجاز النصف الآخر... فهل سينتظرنا العالم ؟

هنا مكمن الصدمة !!

وهنا يحق لنا التساؤل عن وزارة الخارجية التي طالما قلنا إن اهميتها لا تقل أبداً عن أهمية وزارة الدفاع مثلاً، خصوصا لبلد مثل الكويت في حجمه وثروته.

قبل سنوات غير قليلة، وتحديداً في عام 2003 بعد إسقاط طاغية العراق، ينقل عن الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح آنذاك وقد كان وزيراً للخارجية أنه أعلن عن رؤية استراتيجية جديدة للكويت تنطلق عبر وزارة الخارجية عندما قال ما معناه... انتقلنا من الديبلوماسية الوقائية إلى الديبلوماسية الاقتصادية... في إشارة منه لزوال الخطر بزوال صدام حسين. وأنه آن الأوان لتركيزنا على النهوض الاقتصادي عوضاً عن الغرق في ديبلوماسية توفير الحماية والوقاية التي كانت مستحقة بوجود الخطر، ولكن مع زواله لابد من تجديد الرؤية وإعادة توجيهها.

آنذاك، وتعبيراً عن الرؤية الاستراتيجية الجديدة، تم تفعيل الإدارة الاقتصادية في هيكل وزارة الخارجية لتكون مؤشراً للتحول الديبلوماسي الكويتي.

واليوم، ونحن نستشعر آلام الإخفاق، يجب أن نتساءل:

هل الوزارة اليوم هي وزارة رؤى استراتيجية

أم تحولت إدارية روتينية قنصلية؟

وهل في الوزارة اليوم ما يكفي من القادرين على صنع القرار والدفاع عنه ضمن الرؤى الاستراتيجية ؟

وهل الوزارة اليوم قادرة على الحفاظ على علاقات الكويت المتينة بالعالم الخارجي بدءاً من محيطنا الأقرب دول مجلس التعاون وصولاً إلى الجزيرة العربية والدول العربية والإقليمية ؟

وهل الوزارة قادرة على الحفاظ على متانة علاقاتنا بالعالم والدول الكبرى التي ساندتنا في الغزو وصولاً إلى التحرير؟

هي أسئلة مستحقة لا أطرحها من باب التشكيك أبداً، ولكني أطرحها آملا أن تكون مثاراً للنقاش الإيجابي ومعيناً للباحثين عن إجابات مطمئنة، خصوصاً أن العالم اليوم هو عالم تحالفات لا مكان فيه للانعزالية... والعالم اليوم هو عالم المبادرات الاقتصادية والتنموية ولا مكان فيه للمترددين.

العالم اليوم لن ينتظر أحداً... باختصار:

«هذا قطارنا... إما أن تركب معنا أو ابق مع المنتظرين خارج الركب».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي