No Script

«الراي» تتحرى في «الصندوق الأسود» لعملية «الموساد» التي هزّتْ لبنان

هل أَنْهَتْ الـ 7 رصاصات في الشارع رقم 7 حياة سرور ومعه... سره؟

محمد سرور
محمد سرور
تصغير
تكبير

- «وَجْهُ المرأة» طرف خيط... وتَتَبُّع لحركة العبور عبر مطار بيروت
- لماذا رُشّت آلاف الدولارات على جثة سرور بعد قتْله؟
- تقديرات بأن كلفة الإيقاع بسرور بلغت أكثر من نصف المليون دولار
- الحركة المالية لسرور لم تكن تتجاوز مليون دولار
- مَصادر تشكّك في مكانة سرور... ليس «كارلوس» ولم يكن صيداً ثميناً
- هكذا أعدّ «الموساد» المسرحَ بإتقان وحرفية عالية

الزمان: 3 أبريل 2024، أحد أيام روزنامة الدم وشظاياه المتطايرة في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، إلى لبنان وجنوبه وضواحي عاصمته المسكونة بالانتظار، وكأن الأسوأ لم يَحدث بعد.

المكان: بيت مري، البلدة المسترخية على هضبةٍ جميلة ترتفع 750 متراً عن سطح البحر وتشكل الواجهةَ الشرقية لبيروت، ومنها يمكن أن تَفتح ناظريْك على 360 درجة.

الحكاية: ككل حكايا العالم السري... تضليلٌ وكواتم صوت وألاعيب استخباراتية وتعذيب وقتل، وهذه المرة بتوقيعٍ صريح من جهاز «الموساد» الإسرائيلي.

بين 3 أبريل والعاشر منه، كانت إحدى الفيلات في الشارع رقم 7 من الحي الراقي في بيت مري مسرحاً، أُعد بإتقان وحِرَفية عالية كعمليةٍ هوليوودية نفّذها فريقٌ من «الموساد»، يُعتقد أنه ضمّ امرأة وثلاثة رجال وانتهتْ بـ «فرارهم» بعد استدراجهم صرافاً لبنانياً يدعى محمد سرور، الذي انتُزعت اعترافات منه بـ 7 رصاصات قبل قتْله و«رش» آلاف الدولارات من فئة المئة فوق جثته.

ومن خلف بوابة الطبقات الثلاث للفيلا المزنّرة بالكاميرات والأشجار، يتكشف يوماً بعد يوم «الصندوق الأسود» لعمليةِ «الموساد» التي أحدثت دوياً مكتوماً في لبنان «السائب» والذي لم يكن ودّع المسؤول في «القوات اللبنانية» باسكال سليمان الذي استُردت جثته من سورية، حتى ووريت جثة سرور الذي اصطادتْه إسرائيل، وكأن الوطن الصغير يكاد أن يتحوّل جثة يتناتشها الأقربون والأبعدون.

لم تخرج بيروت، التي تدقّق في هويات المغادرين والمسافرين عبر المطار، الذين تراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة، والتي التقطت طرف خيطٍ لـ «وجه المرأة»، من صدمةِ الخرق الأمني الذي أَوقع بسرور، الصرّاف المتَّهَم بنقل أموال لحركة «حماس» لعلاقته بإيران و«حزب الله»، والذي كان أُدرج اسمه على لائحة العقوبات الأميركية في العام 2019.

وثمة مَن يقول إن سرور لم يكن صيداً ثميناً. فالذين يعرفونه عن كثب يجزمون بأنه كان مجرّد صراف متواضع لا تزيد حركته المالية الشهرية على مليون دولار، كعشرات سواه ممن يقتطعون 2 في المئة من المبالغ التي يتم تحويلها وانتعش سوقهم مع ازدهار «اقتصاد الكاش».

ويذهب بعض عارفيه إلى حد القول إن سرور كان يعمل في «القرض الحسن» (ما يشبه المصرف التابع لـ «حزب الله») قبل أن ينتقل إلى عمل الصرافة الحرة، وهو من بيئة «حزب الله» لكن لا علاقة تنظيمية تربطه بالحزب الذي يمنع على المحازبين الذهاب إلى المناطق الشرقية (ذات الغالبية المسيحية) من دون إذن مسبق.

ويعتبر هؤلاء أن ذهاب سرور إلى بيت مري، مرتين من دون إذن، واختفاءه لنحو أسبوع، دليل على أن لا علاقة له بالحزب الذي لم يسأل عنه ولم يتابع قضيته.

ويهزأ هؤلاء، وهم غير بعيدين عن بيئة «حزب الله»، بـ «الخفة» في تقصي أميركا لمعلوماتها في إدراج هذا أو ذاك على لوائح العقوبات، وبالتعاطي مع سرور كأنه «كارلوس»، والإنفاق على عملية الإيقاع به ما بين 500 ألف و600 ألف دولار... المجيء عبر المطار والمغادرة منه واستئجار فيلا وشراء مسدسات وتركيب كاميرات وما شابه. فجلّ ما كان يقوم به سرور، بحسب هؤلاء، هو تأمين التومان الإيراني لمَن يرغب في القيام بالزيارات الدينية لإيران، وتحويل أموال لعائلات من المخيّمات إلى ذويها في الأراضي الفلسطينية المحتلة وأعمال صرافة عادية، حاله حال العشرات من أمثاله.

معطيات تشير إلى «الموساد»

وكان بارزاً تأكيد وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي، أمس، أن المعطيات الأولية المتوافرة لدى السلطات تظهر أن «الموساد» يقف خلف اغتيال محمد، معلناً عبر «اسوشييتد برس» انه تم العثور على مسدسات مزوّدة بكواتم صوت وقفازات في دلو فيه خليط من الماء والمواد الكيمياوية في مكان الحادثة، ويبدو أن المقصود إزالة بصمات الأصابع وغيرها من الأدلة. وقد تُركت آلاف الدولارات نقداً متناثرة حول الجثة، كما لو كان ذلك لتبديد أي تكهنات بأن السرقة كانت الدافع.

وقال مولوي، في إشارة إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، إن الأجهزة الأمنية اللبنانية لديها شبهات أو اتهامات بأن «الموساد» كان وراء العملية، مشيراً إلى أن الطريقة التي تم بها تنفيذ الجريمة أدت إلى هذه الشكوك، ولافتاً إلى «أن التحقيق لايزال مستمراً، وبمجرد الانتهاء منه سيتم إعلان النتائج وإحالتها على الجهات القضائية».

في السياق، صرح ثلاثة مسؤولين قضائيين لبنانيين مطلعين على التحقيق لـ «أسوشييتد برس» بان رجلاً تظاهر بأنه عميل اتصل بسرور من الخارج، وطلب منه تسليم تحويل نقدي إلى سيدة في بلدة بيت مري الجبلية. وأضافوا، شريطة عدم الكشف عن هويتهم بسبب استمرار التحقيقات، أن سرور توجّه إلى العنوان مع ابن أخيه، وغادر بعدما سلم المرأة الأموال.

وتابعوا أن الشخص نفسه اتصل به وكرر الطلب بعد يوم. لكن هذه المرة ذهب سرور بمفرده، وبعد ذلك فقدت عائلته الاتصال به.

بطاقات هوية مزيّفة

وقال مولوي إن الهاتف الذي استخدمتْه السيدة للاتصال بسرور «لم يكن مفعّلاً إلا للاتصال به هو فقط»، مضيفاً أن الجناة حاولوا أولاً استئجار شقة في الحازمية جنوب شرقي بيروت، وهي تفاصيل لم يُعلن عنها سابقاً، لكنهم ألغوا خططهم لاحقاً لأنهم «لم يعثروا على شقة مناسبة لتنفيذ العملية».

وذكر أن القتلة انتقلوا بعد ذلك إلى بيت مري الهادئة، والتي تشتهر بمنازلها الفارهة ذات الأسطح المصنوعة من الطوب الأحمر، والموقع الأثري الذي يعود إلى العصر الروماني، حيث استأجروا فيلا مكوّنة من ثلاثة طوابق على أطراف البلدة باستخدام بطاقات هوية لبنانية مزيّفة.

وأضاف أن «المحققين عثروا على عدد كبير من الجروح الناجمة عن طلقات رصاص» في أجزاء مختلفة من جسده، وبينها ذراعيه وساقيه، كما كان مكبل اليدين.

من جانبه، قال كريستيان فرانسيس، الذي يعيش في الشارع المقابل للفيلا التي قُتل فيها سرور: «لم نسمع أي شيء. غالبية الناس هنا لديهم كلاب في المنطقة شديدة الحراسة، حيث توجد نقطة تفتيش قريبة تابعة للشرطة، كما يوجد مركز للجيش على بعد بضع مئات من الأمتار».

وقال روي أبوشديد، رئيس بلدية بيت مري إن الشقة تم تأجيرها أواخر فبراير الماضي لشخص مجهول لمدة عام مقابل 48 ألف دولار.

وأضاف: «الأسرة المالكة للفيلا لم تسجّل عقد إيجار لدى البلدية، لكنها سددت الضرائب في موعدها في نوفمبر. وتم تنفيذ هذه العملية بطريقة أكثر من احترافية».

وذكر أبوشديد أن «الجيران لم يشكوا في أي شيء، واستغرق الأمر بعض الوقت كي تحدد الأجهزة الأمنية المنزل الذي كانت فيه جثة سرور».

وكانت تقارير في وسائل إعلام لبنانية أفادت بأنّ «التحقيقات بيّنت أن سرور تلقى في الفترة الأخيرة اتصالاً من سيدة ادّعت أن اسمها زينب حمود، وأنها تنتظر حوالة مالية من العراق، طلبت منه إيصالها إلى منزلها في بيت مري، بحجة أنها خضعت للتوّ لعملية جراحية».

ونقلت صحيفة «الأخبار» عن مصادر مقرّبة من العائلة أنّ الضحية «ارتاب بدايةً من الاتصال وكيفية حصول المدعوّة حمود على رقم هاتفه، وربما يكون سألها عن ذلك لاحقاً، وأجابت بما بدّد شكوكه».

وأشارت تقديرات المحققين إلى أنّ عناصر «الموساد» أرادوا الحصول على هاتف الصرّاف وكلمة المرور وتفاصيل عن أشخاص يحوّل إليهم أموالاً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي