وفد رسمي «غير موحّد» إلى اجتماعات الصندوق والبنك الدوليين
لبنان يحمل «خلافات» سلطاته الإنقاذية الى واشنطن
بالوهم وحده، يشي الحشد الرسمي اللبناني الذي يؤم واشنطن هذا الأسبوع بأن لبنان قيد إبرام اتفاق ناجز مع الإدارة المركزية لصندوق النقد الدولي يطلق صافرة رحلة الاصلاحات البنيوية والفوز ببرنامج تمويل مباشر يناهز 3 مليارات دولار، ومعزَّز بإسناد موعود يكفل فتح الأبواب المغلقة لتدفق المدد الاقليمي والدولي، واستطراداً وضع البلد المنهك واقتصاده المترهّل على مسار التعافي والنهوض.
ويتعزّز «الحلم»، بتشكيلة الوفد وعديده وتنوُّعه، والذي يبدو موحداً في ظاهره، والأهمّ في شموليته التي تضم مسؤولين كباراً ومستشارين يمثلون السلطات الحكومية والتشريعية والنقدية والمالية. ثم بمصادفة عقد اجتماعات الربيع (نصف السنوية ) للصندوق والبنك الدوليين مع انقضاء سنتين كاملتين وأسبوع واحد على توقيع الاتفاق الأولي بين الحكومة اللبنانية وبعثة الصندوق على مستوى فريقيْ العمل.
أما في «اليقظة»، حبسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الراي»، فإن الجماعة ذهبوا فرادى وبقناعاتٍ متباينة الى حد التناقض. ولن يطول الوقت حتى تتوالى جولات المباهاة بعقد اجتماعات ولقاءات «منفردة» حتماً مع كبار المسؤولين ليس في ردهات الاجتماعات المالية الدولية فحسب، بل في الإدارة الأميركية، من وزارة الخارجية الى وزارة الخزانة، وبالتواصل مع مديرين معنيين في البنوك الأميركية المراسلة للمصارف المحلية.
وفي الوقائع، يرجّح أن الوفد الحكومي برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي يحمل معه الأفكار والقناعات ذاتها المترجَمة بمسودات مشاريع قوانين وإجراءات، توّجتْها أخيراً محاولة فاشلة لتعويم أوراق مالية ومصرفية مبعثرة ومعاودة صوغها تحت عنوان «إعادة هيكلة المصارف»، وحيث سعى الفريق عينه لتمرير تشريعها بعدما فشلت منفردةً في بلوغ قاعات اللجان النيابية، لكن سرعان ما تحولّت «لقيطة» بعدما تم نفي تبنيها من السلطة النقدية، لتعود أدراجها الى «رفوف» البنود المعلّقة.
في المقابل، سيُظْهِر المعارضون من عديد الوفد غير الموحّد وفي اجتماعاتٍ منفصلة حتماً، الدلائلَ الحسيةَ لمخاطر المقاربات العلاجية التي تعتمدها السلطة التنفيذية، وبما يكرّس استراتيجية الإمعان في اعتماد سياساتٍ تفضي في النتيجة الى الانحراف عن طريق إصلاح ما أفسدتْه «الدولة» ذاتها بكسادٍ متعمّد وإفلاس مقصود وفق وصفٍ مطابق أطلقه البنك الدولي مبكراً.
وأساساً، يشير المسؤول المالي إلى أن الحكومةَ القائمة غير مستقرة دستورياً كونها باتت مستقيلة وتحت ضوابط تصريف الأعمال بعد أشهر قليلة من توقيع الاتفاق الأولي مع بعثة الصندوق. والأنكى أنها تصرّ على سلوك المسارات المتعثّرة نفسها، بعدما ورثت من سابقتها إشهار إفلاس الدولة في ربيع 2020، والمستتبع زمنياً بالانفجار الكارثي الذي ضرب مرفأ العاصمة، وصولاً الى الفراغ الرئاسي المستمرّ منذ خريف 2022، والشلل الاداري المتفشي في مجمل المؤسسات العامة.
وفي الخلفية التي سيتولى الفريقُ النيابي (الرسمي والتغييري)، بحسب ترقبات المسؤول نفسه، تظهيرها أن مجمل الخطط المرفوضة تقوم على فرضيةٍ تحاكي «الشبهة» بالإصرار الحكومة وفريقها الاقتصادي على إنكار مسؤولية «الدولة»، ليس في إيفاء ديونها والتزاماتها فحسب، بل لجهة موجبات حضورها السيادي لإدارة البلد وشؤونه، ودورها المركزي في احتواء الأزمات وفرض ما يلزم من قوانين وقرارات مستمَدة من خطة متكاملة للإنقاذ والتعافي.
كما لن يتردّد حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري في توضيح الإبهام حول ان «المركزي» عمل على إعداد الخطة التي تم «وأدها» من «ألفها الى يائها» وفق الزعم التبريري لعرض البند على جدول أعمال مجلس الوزراء. فواقع الأمر ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قدم اليه خطة لإعادة هيكلة المصارف وهو تولى عكْسها على الأرقام، ليستنتج أن «هذا المشروع لا يمكن تطبيقه في الوقت الحاضر لسبب بسيط، هو أن الارقام الناتجة عن هذه الخطة تفتقر الى الوضوح».
واستطراداً، يتوافق رأي النواب وسلطة النقد على وجوب إقناع الداخل والخارج بأن انخراط «الدولة» في اعتماد وتنفيذ إصلاحات هيكيلية للمالية العامة، مشروط حكماً، وقبل التزام شروط الصندوق، بإعادة تكوين السلطات كافة وتعبئة الشغور من أعلى الهرم الى حكومة منتظمة وإدارات عاملة.
واستتباعاً، يتوجب أن تحاكي الأولويات المطلقة هموم الناس المتعَبين تحت ضغوط المعيشة وتآكل المداخيل، وكبح شهية الاقتطاع أو شطب ما تبقى من مدخرات عائدة لمودعين لبنانيين وغير لبنانيين، مقيمين وغير مقيمين، ومن ثم وضع خريطة طريق للنهوض الاقتصادي.
وفي سياق متصل، يشكل تصنيف مجلس شورى الدولة في مندرجات قراره المرجعي بمنع إلغاء التزامات البنك المركزي لصالح المصارف، مرتكَزاً للتصحيح الضروري والواعد لمعادلة التوزيع العادل للأعباء وفقا لدرجات المسؤوليات على ثلاثيّ الدولة والبنك المركزي والجهاز المصرفي، حيث لحظ القرار القضائي أنّ تلك المبالغ، والتي تزيد على 60 مليار دولار، كما جاء في متن قرار الإبطال، استدانَتْها الدولة، وبالتالي يجب أن تردّها للمصارف، وبالتالي للمودعين.
وفي موازاة التعثر الحكومي في المعالجات المنشودة، تبرز إشارات ايجابية يمكن تثميرها في تحديث خطط التعافي، وفي طليعتها احتضان نواة الاستقرار النقدي الساري للشهر الثامن على التوالي، وتعزيز ركائزه بعد التقدم المشهود من وصف المشكوك بفعاليته الى مستدام يسري كسعر موحّد على ميزانية المركزي وميزانيات القطاع المالي. وهو الشوط الأصعب في رحلة توحيد سعر الصرف.
وفي الوقائع، حسب منصوري، أن المركزي توقف عن شراء الدولار من السوق، ولا ينافس القطاع الخاص على أي دولار موجود فيها كي ينمو بإمكاناته، لكن المركزي يبيع الليرة على سعر التداول ( 89.5 آلاف ليرة) كي يستقر سعر صرف الدولار. كما يمكن القول إن هناك فائضاً في ميزان المدفوعات، بالرغم من أن أكثر من 46 في المئة من اقتصاد اليوم هو اقتصاد كاش. فمصرف لبنان لا ينافس القطاع الخاص في شراء الدولار، لكن احتياطياته زادت بمليار دولار خلال الفترة الماضية، وهذا يعني ان الفائض القليل الذي يتمكّن من إدخاله هو من فائض في ميزان المدفوعات.
وقد أفضت هذه المعادلة المنضبطة بشدة الى فتح قناة التغذية المستمرة لاحتياطات السيولة بالعملات الأجنبية لدى البنك المركزي لترتفع بنحو مليار دولار تراكمياً منذ نهاية شهر اغسطس المالضي، ولتناهز الحصيلة المجمعة مجدداً عتبة 10 مليارات دولار. علما ان المبالغ المحصلة كانت مرشحة للزيادة وبما يصل الى الضعف لو استمر النشاط السياحي على وتيرته ما قبل حرب غزة.