ممدوح إسماعيل / الإسلاميون والوطن البديل

تصغير
تكبير
أثناء تجولي في معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي انتهت أعماله قبل أيام، فوجئت بشاب يستوقفني ويسألني بصوت حزين: ماذا فعل «الإخوان» اليوم؟ قلت: ماذا فعلوا؟ قال: ألا تعرف أنهم قبضوا على الدكتور محمود عزت، والدكتور عصام العريان، والدكتور البر، وغيرهم، فجر اليوم. فاندهشت وقلت له: والله لا أعلم، فلم أطالع الفضائيات ولا الإنترنت قبل خروجي. فقال الشاب: لقد يئست من هذا البلد وأريد أن أهاجر. فقلت له: لا تيأس لابد من الصبر، هذا وطننا. فصاح الشاب وهو يسرع بعيداً عني: لا أشعر أنه وطني، أريد أن أهاجر لعلي أجد وطناً أعيش حراً فيه. أطرقت مفكراً، وقلت في نفسي هذا الشعور راودني عندما ظُلمت، ولكني طردته من رأسي، فأنا أعشق مصر رغم كل شيء، فهي وطني، لا أستطيع أن أتنكر لحارتي التي ولدت فيها، ولا لجيراني، ولا للحي الذي أسكن، ولا لنيلها الذي ارتوى منه أجدادي ولايزال عطاؤه لا ينضب رغم كل الفساد والظلم.

نعم أشعر عبق تاريخ مصر ومجدها وطيبة

شعبها، والإسلام العظيم الذي جعلها قوة لا يستهان بها فقهرت التتار والصليبيين، وانتصرت في العاشر

من رمضان على اليهود الغاصبين. كل ذلك وأكثر في

داخلي. وتلفت حولي بحثاً عن الشاب لأقول له إن المشكلة ليست في الوطن لكن فيمن يفهمون المعارضة خطأ، لكني لم أجده.

وعندما توجهت لحضور التحقيقات مع أخي الدكتور عصام ومن معه، وجدته مبتسماً كعادته. ودخلنا غرفة التحقيق، ودار حوار ودي مع المحقق، وسأله عصام عن أحد المحققين فقال له سافر إعارة، فقال له عصام «عقبالك»، فرد عليه المحقق قائلاً: أنا لا أريد مغادرة مصر، فهي وطني. فرد عصام قائلاً: لقد ذكرتني بحوار دار منذ 28 عاماً

مع أحد الضباط عقب خروجي من المعتقل، فقد سألني ألا تسافر، فقلت له لن أترك مصر فهي وطني، والآن أقول أيضاً أنه رغم كل ما يحدث لي فلن أغادر مصر، فهي وطني. كان الحوار بينهما يدل على حب الوطن بين طرفين متعارضين.

لكن المتابع لما يحدث من إقصاء وقهر للإسلاميين عموماً في بعض البلاد العربية والإسلامية يجد أن جميع الظروف حولهم تدفعهم إلى الهجرة والكفر بالوطن، لكنهم عموماً لا يفعلون، إلا القلة، لأنهم يعلمون أن ما يحدث من قهر ودفع للهجرة من الوطن ابتلاء من الله فمخطط الاستبداد لدفع الفئة المؤمنة بالحق للخروج من وطنها قديم جداً، البعض يقول إن بعض الإسلاميين انقلبوا على أوطانهم. نعم هذا صحيح في ما يخص العنف المرفوض، لكنه غير صحيح في ما يتعلق بأوطانهم، لأنهم انقلبوا على سلطة وهي ليست كل الوطن، وذلك له تفصيله. لكن الآن الوضع تغير والغالبية العظمى من الإسلاميين مع العمل السلمي، لكن حتى ذلك لا يشفع لهم في أن يتمتعوا بالحرية وبالعدل. وأصدق مثال على ذلك «جماعة الإخوان» نتفق أو نختلف في آرائها لكن ما أظنه أننا لن نختلف على أنها منذ السبيعنات انتهجت العمل السلمي ونبذت العنف تماماً، ورغم ذلك عملت بعض النظم على قهرها بجميع الطرق، وآخرها القبض على المجموعة الأخيرة، والذي جاء في وقت شهد فيه جميع المراقبين أن خطاب «الجماعة» الجديد مهادن للنظام، ومع ذلك لا يجدون غير لغة العصا والمعتقلات. لماذا؟

الوطن واحد، والسفينة إن غرقت سيغرق كل من فيها... ربما السلطة تقول انهم منافسون لها في العمل السياسي وهو صحيح، لكن الحقيقة أن «الإخوان» بتاريخهم وفكرهم واستراتيجيتهم في جميع البلاد الإسلامية أقصى أطماعهم المشاركة بكرسي وزير، وهل هذا يضر السلطة!

لقد أصبح ما يحدث تجاه «جماعة الإخوان» مثلاً لأن الآلاف من شباب الجماعات الإسلامية الذين يؤمنون بالعمل السلمي الدعوي ينظر إلى ما يحدث لهم ويقولون ما الحل، وما الطريق لخدمة أوطاننا والمشاركة في الحياة السياسية، هل هذا هو الطريق... اتجاه واحد إلى السجون والمعتقلات؟... لا حول ولا قوة إلا بالله.

الشاهد أنه لابد من حل سياسي، فما قاله الشاب هو تعبير صريح عما يدور في نفسية غيره من الكثير من الشباب الإسلامي، بل وغيرهم ممن ينتمون لتيارات أخرى، لأسباب سياسية واقتصادية مختلفة، فلسان حالهم يقول ان الوطن ليس وطننا، وأنه لابد من البحث عن وطن بديل. وتبقى قلة قليلة تشاهد وتراقب وتيأس من إغلاق جميع الطرق إلا طريق السجن فتذهب إليه بإرادتها عن طريق العنف البغيض المرفوض. فمتى يفيق القابضون على السلطة ويعلمون أن الاستبداد مفسد للحياة، ويجعل الشعوب تختنق فتبحث عن مهرب أو تيأس. وأخيراً صدق القائل «وطني وإن جار عليَّ عزيز» كلمات هي شطر بيت شعر شهير يردده كثير من المظلومين، والمغتربين، والمهاجرين من أوطانهم في كل مكان وزمان.



ممدوح إسماعيل

محام وكاتب

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي