د. وائل الحساوي / نسمات / نشوء وسقوط القوى العظمى (2 من 2)

تصغير
تكبير
لا يمكن لأي باحث يريد فهم ما يجري على الساحة الدولية اليوم إلا ان يدرس الاحداث التي جرت خلال البضعة قرون الماضية والتي شرحها كتاب بول كينيدي «نشوء وسقوط القوى العظمى»، فقد تشكل العالم الغربي - كما ذكرنا في المقال السابق - بعد حروب مدمرة كثيرة فني فيها ملايين البشر وتدمرت كثير من آثار العمران والحضارة، حتى ليكاد المرء ألا يصدق بأن اوروبا الموحدة اليوم يمكن ان تكون قد خرجت قوية من بين ذلك الدمار والخراب!

وذكرت بأن العالم قد عقد العزم على ألا يعود إلى الحروب ثانية بعد ما شاهده من دمار في الحرب العالمية الاولى، لكن غلطة الغرب كانت في المبالغة في اذلال ألمانيا وايطاليا ما ولد شعورا بالغضب الشديد الذي نشأت على اثره العقيدة الفاشية في ايطاليا والنازية في ألمانيا، فبدأ النزاع من جديد والرغبة في قهر الشعوب الاخرى، وبدأت نفس التكتلات المتصارعة السابقة بالتصارع بينها (روسيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة يقابلها ألمانيا وايطاليا واليابان)، وقاسى العالم من حرب اشد ضراوة بسبب تطور الاسلحة وزيادة الاعداد البشرية إلى ان قضى المحور الاول على المحور الثاني وقسمت ألمانيا ودمرت اليابان بالقنابل الذرية.

ولا شك ان العالم لم يشهد ظهور عقائد سياسية اشد عصبية ووحشية من العقيدة النازية والفاشية وكذلك الشيوعية الروسية والشيوعية الصينية، اذ فرضت نفسها على العالم بالقوة وسفك الدماء، وسارت نحو احتلال البلدان المجاورة، إلى ان اجهضت قوى الكثيرين وبقي في الساحة قوتان عظيمتان (الولايات المتحدة وروسيا) ولكل منهما توابعه وبدأت الحرب الباردة التي كانت عبارة عن تسابق في التسلح وصل إلى درجة انتاج ما يكفي من الاسلحة لتدمير العالم عشرات المرات، وكذلك بدأت الجاسوسية التي ارعبت العالم بحيلها وغموضها وقذارتها، إلى ان سقط حائط برلين وانتهت الحرب الباردة وجاء دور القطب الواحد. لا اريد ان استطرد في وصف الاحداث الكثيرة التي حدثت، ولكنني اريد ان اخلص إلى ان العالم كما يبدو قد سئم من الحروب وشكل منظمات ومؤتمرات لتنظيم اعماله ولحل مشاكله الكثيرة، كما انه قد قسم مناطق النفوذ فيما بينه، وان دولا قد نالها اعظم الدمار كألمانيا واليابان قد استغلت حماية الحلفاء لها لتفرغ طاقتها وجهودها في النهضة العلمية والصناعية حتى سبقت العالم اقتصاديا.

اما العالم الإسلامي فقد كان هو الضحية الاكبر، فبعدما وقفت الدولة العثمانية المريضة مع ألمانيا في الحرب العالمية الاولى كان جزاؤها التقسيم والتمزيق، والعرب الذين وقفوا مع بريطانيا وفرنسا كان جزاؤهم الاحتلال وتقسيم دولهم إلى مستعمرات.

اما فلسطين فقد تم بيعها لليهود ومصادرتها إلى الابد (إلى ان يشاء الله).

بينما العالم قد انشغل ببناء نفسه وتعمير ما خربته الحرب وتطوير صناعاته كان العرب مشغولين في الحرب ضد الاستعمار ثم في تأسيس كيانات ضعيفة اقتبست عقائد وانظمة الامم التي سقطت واثبتت فشلها كالاشتراكية والشيوعية والبعث والعلمانية فخرجوا من المولد بلا حمص كما يقول المثل، وعشنا عقودا كاملة نبحث عن هوية، بل وتم توجيه الاتهام لنا بأننا نحن من يصنع الإرهاب!

الشيء الاهم الذي يجب ان ندركه هو اننا يجب ألا نقيس الامور على الواقع القائم، فنحن امة عظيمة ولدينا جميع مقومات القوة والتقدم، ولئن كانت اوروبا قد خرجت من الركام لتصبح دولة عظمى فإننا قادرون بإذن الله على النهوض وتدارك ما فاتنا.





د. وائل الحساوي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي