صوّت لعقلك

تصغير
تكبير

يقول الله تعالى في محكم التنزيل «بل الإنسانُ على نفسهِ بصيرة ولو ألقى مَعاذيره»، ويذهب بعض علماء الفلسفة والكلام إلى أن لب البصيرة يتجسّد في العقل. فالعقل هو الأساس للفطرة الإنسانية المدركة للحسن والقبيح. كما أن الحسن والقبيح لا يحتاجان إلى دليل بل هما في ذاتهما غير قابلين للتضاد أو التناقض. فالصدق حسن ولا يحتاج إلى دليل لأن يكون حسناً، كما أن الكذب قبيح ولا يحتاج إلى دليل لأن يكون قبيحاً. ومن هنا فالبصيرة هي تلك المنظومة المعرفية والإدراكية التي يمتلكها كل إنسان عاقل ما تجعله بصورة فطرية يتعرف على حسن الصدق وقبح الكذب. أما من حيث المصداق، وهو معرفة التجسيد للفعل في الواقع ما إذا كان صادقاً أم كاذباً فذلك يحتاج إلى استدلال شرطه الأساسي ومقدمته المفترضة تتمثل في سلامة الضمير الصادق مع النفس، فيجب أن يكون الإنسان صادقاً مع ذاته أولاً لكي يستدل إلى مصداق الفعل والحكم عليه قبيحاً كان أم حسناً.

لست بصدد عرض فلسفي للعلاقة الوثيقة بين العقل والبصيرة أو القبح والحسن، فذلك بحث عميق لا تتسعه مساحة هذا المقال، وإنما ما أرمي إليه هو محاكاة الفطرة الإنسانية التي تستقر على البصيرة التي أودعها الخالق في الإنسان وميزه بها عن بقية المخلوقات. فإذا كانت هذه البصيرة صافية مستقرة على حكم عقلي على الحسن والقبح، فلا شك أن الإنسان يستطيع إدراك وتشخيص الحق والباطل بالواقع انطلاقاً من مكنونه العقلي وسلامة بصيرته. أما إذا اختار ذلك الإنسان أن يقوم بتقديم الأعذار للقبح والباطل، وذلك بخلاف ما يحكم عليه عقله وما تقره بصيرته، فهو إذاً قد اختار تغييب ما خصه الله به وهو العقل وجعله في قيد شهواته أو أن أودعه عند غيره لكي يقوم بتسييره.

في يوم 4 من أبريل 2024، نحن أمام خيار الانتخابات والتصويت في هذه المرحلة المهمة في تاريخ الكويت من حيث منعطفات التحديات وتعقيداتها داخلياً وخارجياً، يتعين على كل منا أن يقف ولو لبرهة بسيطة مع عقله وبصيرته ليختار وفقاً للحسن والقبيح والحق والباطل الذي بات واضحاً جلياً في معظم الأحيان.

قد يقودك فلان أو علان إلى متاهات ومعادلات وتبريرات طائفية أو فئوية أو مصلحية لكي يداعب عواطفك ويغيَّب عقلك ويسلب بصيرتك فلا تتركه ليفعل ذلك.

في هذه المرحلة نحن جميعاً نعي تماماً ما يدور في بلدنا وما في حوله من قضايا مؤلمة تهدد مصيرنا جميعاً، ونعلم بأنه لو سايرنا نزوات البعض ممن يتربح سياسياً على حساب الوطن ومستقبله فستكون العواقب وخيمة لا سمح الله بذلك. فياليتنا نترك عقولنا وبصائرنا لتختار الحسن الذي يتجلّى بصوره الوطنية والإصلاحية النزيهة ونترك القبيح الذي يتزيَّن بشعاراته الطائفية وبهرجته الفئوية وعصبيته النخبوية وأنانيته المصلحية.

تذكّروا أخواتنا وإخواننا المواطنين... صوتوا لعقولكم ولحسن الاختيار لوطنكم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي