لغتُنا العربية ملكةٌ متوّجة على جميع اللغات، ولولا أنّ رعيتها كانوا ضعافاً منقسمين وبعضهم يُكِّن لها العداء، لولا ذلك لوجدت المتحدثين بها في كل مكان وفي كل محفل، وجدتهم يتفاخرون بنطقها؛ ويتباهون بجمال معانيها.
وكأي ملكة متوّجة يكون لها حفظة يضمنون لها الحياة الراقية، وحرّاس يمنعون عنها الأذى.
وعلى مرّ التاريخ برز لهذه اللغة حفظة اجتهدوا في الحفاظ عليها وتعليم الناس بيانها وأصولها، كما كان لهذه اللغة الجميلة فرسان برتب مختلفة؛ كانوا يصدون ويدافعون عنها بل ويجتهدون لنشرها وتسهيل الوصول إليها، وبالطبع هؤلاء الفرسان وجدوا معاناة كبيرة عندما بدأت أمة العرب بالتراجع أمام الأمم الأخرى والأسباب عديدة، هذا التراجع مكّن أعداءها من محاصرة أكبر خصلة مميزة لهذه الأمة وهي لغتها مفتاح الدين المختار عند ربّ العباد.
وكلما تمكّن الخصوم من أمتنا كلما زاد عدد سهامهم الموجهة للغتنا، أحياناً يستعملون الحيلة؛ أو القوة، وأحياناً يستثمرون في بعض أبناء أمة العرب، أو بعض الأقليات الشعوبية التي تحيا بيننا، يستثمرون بهم ليكونوا هم الطاعنين في لغتنا والمبادرين بنشر ثقافة اللغات الأجنبية على حساب لغة العرب، ورغم كل تلك الجهود الكبيرة لمحاربة اللغة العربية إلا أن هذه اللغة قاومت وتقاوم بكل قوة، والسبب في ذلك أنها محمولة في كتاب محفوظ ليس لبشر القدرة على تحريفه أو إخفائه.
ومن فترة قريبة فقدنا أحد فرسان لغتنا العربية الذي كان برتبة فريق، فريق متكامل من العمل الجاد والمبادرات المتتالية لتزويد لغة العرب بمفاتيح العصر إنه المرحوم العم محمد عبدالرحمن الشارخ، لقد كان رحمه الله، من أكبر المدافعين عن لغة العرب أمام جيش الكارهين؛ فهو مؤسس شركة صخر لبرامج الحاسب منذ عام 1982، حين أدرك بروح المُحبّ أن العالم مُقدم على ثقافة الحاسوب، وأن أكبر خدمة للغة العرب أن يتكلم الحاسوب بها، إنه رحمه الله، الذي يُنسَب إليه الفضل في إدخال اللغة العربية إلى الحواسيب للمرة الأولى في التاريخ، كما أنه حصل على ثلاث براءات اختراع في هذا المجال هي: التعرف الضوئي على الحروف؛ الترجمة الآلية من العربية إلى الإنكليزية؛ النطق العربي.
كان الرجل فارساً من نوع خاص لذا استحقّ بجدارة جائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام بالإضافة إلى ثمان جوائز كبيرة أخرى، إن خسارة العم الشارخ ليست كفقد مشهور أو فقد كبير، لسبب بسيط أن ما خلّفه وراءه كان أثراً بأمة وهو حيّ ما دامت السماوات والأرض، هنيئاً له هذا العمل العظيم وهو ليس بأمر مُستغرب فمَنْ كان بخدمة لغة القرآن سينل المجد ونحسَبُهُ عند الله ذا مكانة عليا.
رحم الله رجلاً يشدو باسمه كل جهاز يتكحل بحروف لغة الإسلام.