No Script

كلمة حق أُريد بها حقاً... بعد 16 سنة في القضاء

تصغير
تكبير

قبل 16 عاماً، وتحديداً في السنة الأخيرة من حُكم الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، عام 2008، وهي ذات السنة التي عصفت فيها بالعالم الأزمة الاقتصادية الكبرى وامتدت ارتداداتها سنوات عدة حتى تم تجاوزها، كتبت في هذا العام مقالاً صحافياً أبديت فيه رأياً في أزمة وقعت في الكويت آنذاك، هذا المقال تسبّب في رفع دعوى ضدي (وهي حالة نادرة الحدوث جداً معي بسبب مقال شخصي أكتبه)، وقد وقعت في هذه السنة وفي السنوات اللاحقة لها أحداث كثيرة يصعب إحصاؤها، ولكننا سنمر عليها مروراً سريعاً ومختصراً لغاية سوف نبينها في نهاية سطور المقال.

نعم، سنوات طويلة مرت وأحداث كثيرة وقعت منذ السنة التي كُتِب فيها ذلك المقال المشؤوم، فهي السنة الأخيرة لبوش الابن في الحكم، ليتسلّم من بعده المكتب البيضاوي الزعيم الأسود باراك أوباما صاحب الكاريزما الطاغية التي سيطرت على شباب الأمة منذ سمعوا خطابه الشهير في جامعة القاهرة العريقة، وقد تمكن من تجديد رئاسته ليقضي ثماني سنوات انتهت ولم ينته بعد نظر المقال.

وفي هذا العام أيضاً قذف منتظر الزيدي فردتي حذائه على بوش الابن الذي تفاداهما باحتراف شديد تندر عليه الأميركيون بقول بعضهم «أخيراً وجدنا شيئا يتقنه»!.

في 2008 أيضاً تخطت أسعار النفط حاجز المئة دولار وتوغل الإسرائيليون في غزة وقصفوها مسقطين الاف الشهداء وأضعافهم من المصابين، وأعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا، ومات عماد مغنية مقتولاً، وبدأ راؤول كاسترو رحلته حاكما لكوبا.

وجاء العام 2009 وتسلّم أوباما الرئاسة رسمياً، وأطلق الرئيس الإيراني أحمدي نجاد القمر الصناعي الإيراني.. ومات مايكل جاكسون.

2010 بدأت أيامه، ومات في هذا العام «الكيماوي» علي حسن المجيد وهو لمن لا يعرفه من الشباب أحد مجرمي حزب البعث العراقي، وقد عاث في الكويت ظلماً وفساداً مثلما ضرب الأكراد في حلبچة بالكيماوي.

في ذات السنة وجه العالم أنظاره إلى دبي وافتتاحها «برج خليفة».. أطول ما صنعته يد الإنسان على المعمورة.

أيضاً، انطلقت الثورة التونسية مع مأساة البوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه بعدما بلغ الظلم منتهاه مع كرامته فهانت عليه حياة الذل واختار موت الحرق والألم بعزته وكرامته.

المقال مازال منظوراً.

وتمضي السنة ليتنحى في 2011 زين العابدين بعدما (فهم) أخيراً، وانطلق (الربيع العربي) وجاءت جمعة الغضب حاملة معها الثورة المصرية ليعلن تالياً عمر سليمان تنحي حسني مبارك الذي (فهم) أيضاً بعد حين.

وثارت الجماهير في ليبيا وسورية واليمن وغيرها من الدول.

المقال مازال منظوراً.

المهم، تزوج الأمير وليام من ذات العفة والجمال كيت ميدلتون، وقد بات بعد ذلك بسنوات ولياً للعهد بعدما ماتت جدته وتولى أبوه حكم البلاد، والآن أبوه وزوجته يخضعان للعلاج من السرطان، مع تمنياتي القلبية لهما ولكل المرضى بالشفاء.

مازال المقال منظوراً.

في العام 2012 تسلّم محمد مرسي رئاسة مصر ثم سجن ورحل، مثلما تسلّم عبد ربه منصور اليمن. وأباد البوذيون في مجزرة عرقية مريعة خمسين ألف مسلم في بورما.

وقد مات نجم ليالي الحلمية سيد عبدالكريم كما مات فؤاد خليل وعمر سليمان والشاذلي بن جديد وسمير سعيد، رحمه الله وطيّب ثراه.

المقال مازال منظورا.

ويحل العام 2013 ويشهد استقالة البابا بنديكت السادس عشر، وتنحي الشيخ حمد بن خليفة إرادياً عن الحكم وإعلان الشيخ تميم بن حمد أميراً لقطر. وتم عزل محمد مرسي عن الحكم وضرب الغوطة بالكيماوي.

المقال مازال منظوراً.

وفي 2014، يشن الكيان الصهيوني حرباً جديدة من حروبه الإجرامية التي لا تنتهي على غزة الصامدة، وتنتهي حرب أفغانستان، وتسيطر (الدولة الإسلامية) على الفلوجة والموصل.. وأطلقت الدعوات لضم فرع (القرم) إلى جذع (روسيا) وأعلنت واشنطن العقوبات على موسكو.

المقال مازال منظوراً.

وحلّت سنة 2015، وفي هذا العام رحل الملك عبدالله، طيّب الله ثراه، وبويع الملك سلمان، أطال الله عمره، وتمر الأيام ويعلن الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد ورئيساً للوزراء ومجدّداً للمملكة العربية السعودية.. وتعيد الولايات المتحدة وكوبا العلاقات الديبلوماسية منهين قطيعة 54 عاماً.

المقال مازال منظوراً.

ثم في 2016 ينتخب اللبنانيون ميشيل عون وتحرر القوات العراقية الفلوجة ويبدأ دونالد ترامب رئاسته للولايات المتحدة الأميركية في هذه السنة التي شهدت موت ممدوح عبدالعليم وسيد زيان وأحمد زويل ومحمود عبدالعزيز وبطرس غالي ومحمد حسنين هيكل ونانسي ريغان ومحمد علي كلاي وفيديل كاسترو.

المقال مازال منظوراً.

وتهب نسمات 2017 مع وصول إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه، وتوقف لندن قرع أجراس (بيغ بين) ويموت علي عبدالله صالح ويقرر ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

المقال مازال منظوراً.

وتمر الأيام تلو الأيام، وفي 2018 تم تسميم العميل سكريبال وترامب يسحب قواته من شمال سورية ومحمد مهاتير يعود ويؤدي اليمين رئيساً لماليزيا، ونشهد زفاف الأمير هاري وزوجته الاميركية السمراء ميغان، ويلتقي ترامب الزعيم الكوري الشمالي فيما يفوز الرئيس عبدالفتاح السيسي بولايته الثانية رئيساً لمصر.

المقال مازال منظوراً.

وتشهد سنة 2019 القمة الأميركية - الكورية الشمالية ويعدل بوتفليقة عن الترشح لولاية خامسة لرئاسة الجزائر ويستقيل تحت الضغط الشعبي.. فيما يعزل الجيش السوداني البشير ويفوز الممثل زيلنسكي بالرئاسة في أوكرانيا، ويعلن امبراطور اليابان سابقة التنازل عن العرش.

المقال مازال منظوراً.

ثم ندخل عام 2020 ونشهد فيه مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس، ويشهد العالم انتشار سُلالة جديدة من فيروس كورونا وتبدأ جائحة عالمية تغيّر شكل الحياة على الكوكب كله، ويفوز جو بايدن بالرئاسة.

المقال مازال منظوراً.

أما عام 2021 فقد شهد موت لاري كينغ أشهر إعلامي أميركي واغتيال لقمان سليم وموت كارلوس منعم ويوسف شعبان وسمير غانم ولميعة عباس وجيهان السادات ومحمد طنطاوي وصباح فخري.. والأمير فيليب.

المقال مازال منظوراً.

وتمضي 2022 بأحداثها وسنة 2023 بأحداثها وما بينهم اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا المستمرة حتى يومنا هذا لندخل بعدها العام 2024 بأحداثه.. ولا داعي للإطالة أكثر.

تلك كانت حكايتي مع (مقال) شؤمٍ تمنيت أنني لم أكتبه، وأخيراً بعد كل هذه السنوات الـ16 أسدلنا عليه الستار.. المقال لم يكن قضية شائكة ولا أزمة عالمية ولا حتى مقالاً مهماً.. ولكن هذا ما جرى وهذا بعض قليل من الأحداث التي مرت على العالم حتى انتهينا منه.. وآخر دعوانا أن الحمد لله الذي عافانا ورزقنا.

وأخيرا... المقال لم يعد منظوراً.

قضاؤنا الكويتي النزيه والشامخ ليس مقصراً أبداً، وما أوردته أعلاه ليس «تحلطماً» على طول أمد نظر القضية بقدر ما هو اجتهاد مني لتسليط الضوء على معاناة يعاني منها قضاؤنا الأشم.

قضاؤنا يعاني من الإفراط في التخاصم، ويعاني من تهرب حكومات متعاقبة من مسؤولياتها، فتلقي ما يجب أن تحمله أكتافها هي على القضاء الذي يحمل رزايا الجميع، حكومات تتعاقب وكلما واجهت أزمة أو معضلة أو حرجاً أو حتى تسوية نراها تهرب من حرج اتخاذ القرار والحزم في تحمل المسؤولية الى القضاء.. فتتخم ملفاته المتخمة أصلاً بعشرات آلاف القضايا، وما زادها بلة وإيذاءً قوانين الإعلام والإعلام الإلكتروني التي تلقي على كاهل النيابة والقضاء سنوياً بآلاف القضايا من قوم نسوا كلمة ابن عم رسول الله علي بن أبي طالب «سبٌ بسب أو عفوٌ عن ذنب»، فتبارزوا بالقضايا.

وفي النهاية القضاء لن يحرق مراحل التقاضي ولن يقفز عليها ولكنه وهو الأمين على تطبيق القوانين حتى لو اعتراها العوار والخلل سيعطي كل انسان حقه في التقاضي وطلب كلمة العدالة.

أكرر، هذا المقال ليس «تحلطماً» ولكنه كلمة حق أقولها في حق القضاء الذي هو سندنا الحقيقي أمام أي تجاوز من أي سلطة، هو «كلمة حق أريد بها حقاً»، أريد عبرها إنصاف القضاء وإعانته على أداء المهمة بتوفير كل ما يحتاجه وتذليل كل ما يواجهه من عقبات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي