الانتخابات بين الجماعة والقناعة

تصغير
تكبير

مما هو مؤسف أن تتحول الاختيارات في الانتخابات الديموقراطية إلى «فزعات أو تعصبات» للجماعة التي ينتمى لها المرشح والناخب!

لقد تشرّب الكثير من الناخبين تنشئة سياسية فاسدة تقوم على التحكم في الاختيار وتأطيره ضمن محيط الجماعة الاجتماعية أو الفئوية أو الأُسرية أو المذهبية!

هذه التنشئة السياسية التي عبثت بها الأحزاب السياسية بالدرجة الأولى وبعض الشخصيات التي لديها سلطة سياسية أو دينية أو اجتماعية هي التي قادت إلى أكثر نتائج الانتخابات فجعلت من المؤسسة التشريعية أقرب ما يكون مجلس للجماعات منه إلى مجلس أمة!

لا شك من أن وجود الأحزاب السياسية أمر طبيعي أو لربما ضروري في المجالس التشريعية، ولكن ذلك القول ينطبق فقط على أحزاب حقيقية مفتوحة العضوية وليست كما هو الحال في معظم التيارات والأحزاب التي تشبه ما تكون ذات عضويات مغلقة مذهبياً أو فئوياً أو نخبوياً.

الكثير من هذه الجماعات أصبح أقرب إلى «كنتينات» مصالح ذات واجهات أيديولوجية وشعارات ديكورية محتكرة من خلال قيادات ديكتاتوريّة تتخذ من الديموقراطية وسيلة لتعزيز مصالحها الخاصة.

هذه الجماعات، التي ترسخ من فكر الجماعة على حساب القناعة، هي المسؤول الأول عن تدهور الديموقراطية ومخرجاتها على النحو المشهود. كما أن العديد من هذه التيارات والفئات والتكتلات بجميع مسمياتها قد هيمنَ على قناعات الناخب من خلال اعتبار حتمية الاختيار ضمن قائمة الجماعة من البدهيات والمسلّمات التي لا يمكن كسرها ومن يعمل بخلاف ذلك فهو «كمجهول الأبوين» منبوذ مطرود محتقر دون ذنب!

إذا كان الأمر كذلك، فمن يجرؤ على الكلام أو كسر هذا «التابو» المتخلف؟ إذا أردنا أن نتطور من خلال نظام ديموقراطي فعلينا بالدرجة الأولى كسر هذا «التابو» المخيف للطائفية والفئوية والنخبوية التي تتحكم في سلوكنا السياسي.

التحرر من المخيال الجماعي الذي نصبته تلك الجماعات أمام أعين الناخبين ومجمل المواطنين هو أمر في غاية الأهمية من أجل تحقيق ديموقراطية حقيقية تضمن مستقبلنا جميعاً وتقود إلى الازدهار والاستقرار والرخاء، لا إلى التسويف والتخوين والفزعات والعصبية البغيضة التي لا تبني وطناً إطلاقاً مهما أوجدت لها المبررات التخيلية القائمة على حب إلقاء اللوم على الآخر!

القناعة الوطنية هي التي تقوم على أساس رصين مدمج بعقلية نظيفة قادرة على تعدي الحدود العصبوية والمسلمات التخيلية التي نصبتها شبكات الفئات العصبية، هذه القناعة هي التي تقود إلى مجتمع متسامح يقدر الكفاءات المتمكنة من إنتاج نفع عام للدولة والمجتمع، هذه القناعة التي يجب التأكيد عليها من خلال المثقفين والوطنيين والمستقلين والطامحين لبلد يحوي الجميع لكي ينطلق بهم نحو مستقبل زاهر تنتظره الأجيال بشتى ألوان زهورها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي