من «المقعد الشاغر» إلى التكامل الاقتصادي والزخم الاستثماري

المغرب يعتمد سياسة «رابح - رابح»... أفريقياً

مدينة العيون
مدينة العيون
تصغير
تكبير

تقف أشجار الطلح (رمز الصحراء) شامخة في جنوب المغرب بظلالها الوفيرة وأزهارها الصفراء الزاهية، لتعكس شموخها وصمودها ضد الانقراض لترشد الراحلين في الصحراء إلى الاتجاهات الصحيحة.

وبين شجرة الطلح والمغرب، تطابق كبير في الصمود والتمدد المفيد للبشرية والمنافع الطيبة، حتى ظهرت تلك الملامح والروح المغربية جلياً على جلسات مجلس الاتحاد الأفريقي، خلال نقاشات قادة القارة السمراء التي تركزت على التنمية والتجارة والاستثمار والبحث عن الفرص الواعدة والشراكات الإستراتيجية.

وبعيداً عن الخوض في دوافع سياسة «المقعد الشاغر» التي انتهجتها المغرب في العام 1984، حيث كان الاتحاد الأفريقي يعقد اجتماعات لاختيار «ملك ملوك أفريقيا» أو تبادل الاتهامات بانقلابات عسكرية، عاد «السحر المغربي» عام 2017، ليقلب المعادلة نحو نقاشات التكامل الاقتصادي والزخم الاستثماري.

وتعتبر العيون، وهي عروس الجنوب المغربي، من أجمل المدن التي تشهد نمواً متسارعاً على الأصعدة كافة...

ولا يمكن أن تزور المتألقة من دون أن تسمع في الصالونات الثقافية، عن «المبادرة الأطلسية» التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس بهدف تمكين بلدان الساحل الأفريقي من الاستفادة من فرص الانفتاح على سواحل الأطلسي من خلال ميناء الداخلة الجديد ومنحها منفذاً بحرياً مهماً.

ووفق تقرير نشرته المنصة الأميركية «ذي أمريكان ريبورت»، فإن المبادرة المغربية الأطلسية «تعد احدث ثورة في وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وتُعتبر كذلك حافزاً لتطوير البنية التحتية على طول الساحل الأفريقي، ما من شأنه أن يمكن من زيادة فرص العمل بالمنطقة، خصوصاً لدى الشباب».

«رابح - رابح»

ويسعى المغرب، من جانبه، إلى كسر «قيود أفريقيا» والتخلص من الماضي الاستعماري الذي يُعيق انطلاق دول القارة من خلال تحرك ديبلوماسي نشيط يتسم بالهدوء والواقعية لتنفيذ إستراتيجية «رابح - رابح»، ولاسيما أن العديد من الدول الأفريقية، ليس لها واجة بحرية، منها مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر.

وثمة ما يكفي من الأسباب والدواعي التي تجعل المبادرة التي أطلقها محمد السادس في الذكرى الـ48 لـ «المسيرة الخضراء»، من الأبرز في العصر الحديث، من خلال تقدم المحيط الأطلسي الأفريقي من جديد، ونقل أفريقيا من قارة للمواد الأولية إلى مصاف الدول المنتجة، عبر إعادة تفعيل نظرية التوازن الشمولي ورسم إيقاع التحولات، بعد جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ومد خط أنابيب الغاز المغرب - نيجيريا، المشروع الإستراتيجي الذي سيعبر 13 دولة أفريقية.

ويُعتبر هذا المشروع، الذي قال عنه العاهل المغربي، إنه «مشروع من أجل السلام والاندماج الاقتصادي الأفريقي والتنمية المشتركة، مشروع من أجل الحاضر والأجيال المقبلة»، أطول أنبوب غاز بري وبحري في العالم، بامتداد على أكثر من 5600 كيلومتراً.

وفي السياق، يقول عضو اللجنة التحضيرية لتأسيس إطار منتدى التحليل الإستراتيجي لشؤون الأطلسي ودول الساحل الدكتور عبدالرحيم المنار السليمي، أن هذه اللجنة انبثقت من سلسلة لقاءات نظمها المنتدى على مدى ثلاثة أيام، في مدن العيون والسمارة وبوجدور في الصحراء المغربية، حول المبادرة الأطلسية الأفريقية، وإدماج دول الساحل وتحليل الابعاد الاستراتيجية الوطنية والإقليمية والدولية.

وأشار أنه خلال اللقاءات التي تميزت أعمالها بتفاعل فكري أكاديمي عميق وبحضور عربي «ستفرز ديناميات تنموية ستستفيد منها أفريقيا، وأيضاً العالم العربي، وأميركا اللاتينية».

واعتبر السليمي أن رؤية العاهل المغربي في إطلاق هذه المبادرة التي تسعى إلى جعل المغرب بوابة لدخول دول الساحل والصحراء الأفريقية إلى الأطلسي، من شأنها تعزيز التعاون جنوب -جنوب على شراكة رابح - رابح.

من جهته، أكد عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في جامعة قلعة السراغنة محمد الغالي، إن «المبادرة الأطلسية الأفريقية ستكون رافعة تنموية اقتصادية مهمة، وهي بمثابة بوابة لانفتاح دول أفريقيا جنوب الصحراء على العالم، وبذلك تنسجم مع السياسة الأفريقية للمغرب، التي ترنو إلى فك العزلة عن دول الساحل والصحراء الافريقية».

وتشكل المبادرة الأطلسية الأفريقية نقطة اهتمام على الصعيد العالمي، من الولايات المتحدة مروراً بأوروبا وحتى دول الخليج العربي.

وثمة سبب آخر، ربما يكون من ضمن أهم الأسباب التي تجعل المبادرة الأطلسية الأهم والأبرز على مستوى العالم، وهي التحولات السريعة في النظام الدولي، وسعي المغرب لأن يكون مفهوم التنمية حلاً لنزاعات وصراعات القارة الأفريقية وتحويلها إلى منطقة تجارية اقتصادية من خلال الواجهة البحرية وميناء الداخلة... «المارد الأطلسي الجديد».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي