«ذي بانكر»: تحديات الكويت الاقتصادية واضحة منذ عقود
- الكويت معرّضة لخطر الانزلاق إلى عجز هيكلي
- الكويت تمتلك أكبر قطاع عام في الخليج وأحد أكبر قطاعات العالم
أفادت مجلة ذي بانكر في تقرير صدر عنها حديثاً بأنه بعد جني فوائد ارتفاع أسعار النفط في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، عادت المالية الكويتية إلى تسجيل أداء متوسط في عام 2023، حيث أدى انخفاض أسعار النفط وإنتاجه إلى جر الاقتصاد الكويتي إلى حالة الركود.
ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي 2023 والذي يتوقع أن يعقبه مزيد من الانخفاض هذا العام، لاتزال البلاد تُعاني انسداداً بسبب البيئة السياسية المنقسمة وأجندة الإصلاح المتوقفة التي لاتزال تعوق أهدافها التنموية طويلة المدى.
وفي حين بدأت البلدان الخليجية الأخرى اتخاذ خطوات واسعة في تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على النفط والغاز، فإن الحظوظ الاقتصادية للكويت لاتزال مرتبطة بتقلبات سوق النفط الدولية، إذ تمثل عائدات النفط حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي حوالي 90 في المئة من إيرادات الصادرات الحكومية.
تراجع الأسعار
وباعتبارها واحدة من أكبر 10 مصدرين في العالم، كانت البلاد من بين أبرز المستفيدين من ارتفاع أسعار الطاقة في 2022، مع ارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي 8.9 في المئة.
ومع ذلك، انخفضت الإيرادات بشكل حاد عام 2023 مع تراجع أسعار النفط وتنفيذ البلاد لخفض الإنتاج بمقدار 128 ألف برميل يومياً في شهر مايو بموجب اتفاق مع تحالف (أوبك بلس).
ومع التوافق على مزيد من التخفيضات في مارس في محاولة لدعم الأسعار، قلصت الكويت 135 ألف برميل إضافية من إنتاجها اليومي.
وحسب تقديرات بنك الكويت الوطني، تقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 0.7 في المئة العام الماضي، ما يتماشى تقريباً مع توقعات صندوق النقد الدولي، في حين يتوقع «الوطني» مزيداً من الانكماش بنسبة 0.2 في المئة هذا العام.
من جانبها، تتوقع اقتصادي أول في (أكسفورد إيكونوميكس) فرح الرافعي، أن يؤثر ضعف الطلب المحلي العام الماضي وتراجع الأنشطة النفطية على الاقتصاد الكويتي في الأشهر المقبلة.
ورجّحت الرافعي لمجلة ذي بانكر تراجع الاقتصاد الكويتي في 2024 بسبب انخفاض إنتاج النفط، وتباطؤ الإنفاق الاستهلاكي، والجمود السياسي، وتأخر الإصلاحات.
الجمود السياسي
ولفتت المجلة إلى أن التحديات التي تواجه الكويت والمتمثلة بالاعتماد على عائدات النفط، والقطاع العام المتضخم والدعوم السخية المفرطة - واضحة منذ عقود. ومع ذلك، لايزال الشلل السياسي يعوق الإصلاح الاقتصادي.
ويعتقد روبرت بيشل، وهو زميل كبير غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية أن الكويت معرضة لخطر «الانزلاق إلى عجز هيكلي نظرا لأن إيراداتها متقلبة، في حين أن نفقاتها تتجه باستمرار نحو الارتفاع».
ولاتزال التوقعات على المدى الطويل قاتمة، حيث لفتت «ذي بانكر» إلى أن ارتفاع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، إلى جانب الدفع العالمي للطاقة الخضراء يُساهم بجعل النظرة المستقبلية لأسعار النفط غير واضحة، ما يُثير المخاوف بشأن استدامة المركز المالي للكويت.
ويتوقع أن تسجل الكويت عجزاً قدره 6.8 مليار دينار (22.1 مليار دولار) للسنة المالية 2023/2024، وهو العجز المالي التاسع لها خلال السنوات العشر الماضية، باستثناء الفائض المعزز بارتفاع أسعار النفط في 2022/2023. ويتوقع مشروع الميزانية للعام 2024/2025 (الذي يبدأ في 1 أبريل) انخفاض العجز بمقدار 5.9 مليار دينار، وذلك بفضل انخفاض النفقات لمرة واحدة.
وأشارت المجلة إلى أن غياب قانون الدَين العام على مدى السنوات السبع الماضية يعتبر أحد أبرز رموز التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد التي تعتبر غير قادرة على الاستفادة من الأسواق الدولية لسد فجوات الإنفاق العام على غرار الأسواق الإقليمية النظيرة. إذ بعد انتهاء تشريعات الدَين العام في 2017، فشلت مجالس الأمة المتعاقبة في إقرار قانون دائم يمكّن البلاد من إصدار الديون.
وبعيداً عن قانون الدين الجديد، تظل معالجة فاتورة الأجور والدعم المتضخمة في البلاد، والتي تمثل 79.4 في المئة من إجمالي نفقات الميزانية، أولوية رئيسية.
ويقول بيشل: «تمتلك الكويت بالفعل أكبر قطاع عام في دول الخليج وواحد من أكبر القطاعات العامة في جميع أنحاء العالم».
توفير الوظائف
وذكرت المجلة أن تزايد عدد السكان الكويتيين في سن العمل، والذي نشأ على خلفية عقد اجتماعي وسياسي يُشكّل القطاع العام جزءاً أساسياً منه، يهدد بتقويض هذا الهدف. ويقدر صندوق النقد الدولي أن 100 ألف شاب كويتي سيدخلون سوق العمل خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يزيد الضغط على الموارد المالية الحكومية المتوترة بالفعل.
يقول بيشل:«خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة المقبلة، ستشهد البلاد طفرة ديموغرافية، وسيدخل العديد من الشباب الكويتي إلى سوق العمل الساعين وراء وظيفة في القطاع العام. لذا، ستكون هناك ضغوط كبيرة جدا على الحكومة».
ومع ذلك، فإن الإصلاحات الهيكلية الهادفة، بما في ذلك الخطوات اللازمة لتحفيز الشباب الكويتي على التوظيف في القطاع الخاص، ستتطلب «مشاورات واسعة النطاق مع أصحاب المصلحة في القطاع الخاص ومجلس الأمة والجمهور لتأمين الدعم الاجتماعي المستدام»، وفقاً لصندوق النقد الدولي في مشاوراته الأخيرة للمادة الرابعة في سبتمبر.
ويُمكن أن تشمل الخطوات الأخرى لدعم المالية العامة في الكويت في السنوات المقبلة مجموعة من تدابير تعزيز الإيرادات، مثل فرض ضريبة دخل على الشركات، وفرض رسوم على بعض السلع، وضريبة القيمة المضافة.
ومرة أخرى، تخضع مثل هذه التغييرات لإيجاد طريقة للخروج من الجمود السياسي الذي طال أمده بين مجلس الأمة والحكومة.