«حماس» تؤكد أنها «بخير» ولن تسلّم غزة بالتفاوض
معركة غزة مستمرّة... ومن يتحلّ بالصبر الأكبر يفرض شروطَه النهائية
صرّح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنه ناقَشَ مع الرئيس الأميركي جو بايدن التزامَ إسرائيل بتحقيقِ أهداف الحرب والقضاء على «حماس».
ويتفق الرجلان على أهداف تل أبيب على الرغم من تصريحاتهما الإعلامية المتناقضة التي توحي باختلافٍ عميق. إلا أن هذا الخلاف ينحسر في طريقة إدارة الحرب التي أضرّتْ بالانتخاباتِ الرئاسية التي يخوضها بايدن من دون أن يختلف مع نتنياهو حول أهدافه بإنهاء المقاومة والقتل والتدمير، ولكن بأعداد أقلّ، والتجويع الذي يتسبّب به جيش الاحتلال الإسرائيلي داخل غزة.
ويريد بايدن أن تؤدي المفاوضات إلى وقف إطلاق نار موقت، أملاً في استرداد بعض الأصوات التي سيخسرها في انتخاباته. إلا ان نتنياهو يعمل بجهد لإفشال المفاوضات أو فرْض شروطه المستحيلة على «حماس» التي يقول قادتها لـ «الراي» إنها «بخير وقد أعادت تنظيم صفوفها». فإلى أين تتجه الأمور التفاوضية؟ وهل يمكن التعويل على نتائجها؟
يتّفق الرئيس الأميركي مع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بالقول إنه ينبغي القضاء على «حماس» ويجب ألا يكون هناك مكان آمن لقيادتها في رفح أو في أي مكان آخَر. ولكن شنَّ عملية في رفح من دون خطةٍ واضحة لإزاحة المدنيين عن ساحة المعركة سيكون خطأ (ليس ممنوعاً ولا خطاً أحمر) وسيؤدي إلى مقتل المزيد من الأبرياء والتسبّب في عزلة إسرائيل (وأميركا) دولياً، والأهمّ من ذلك ان أهداف إسرائيل في رفح يمكن تحقيقها بوسائل أخرى. وما تعنيه واشنطن بالطرق الأخرى هو فكرة لم تُستبعد وتقتضي ترحيل قادة «حماس» وعناصرها عن غزة كما فعلوا بمنظمة التحرير بعد اجتياح لبنان عام 1982. إلا أن هذا يحتاج لموافقة المقاومة وإيجاد دولة مضيفة، وهي احتمالات مستبعَدة لغاية اليوم.
وقد وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي على إرسال فريقٍ له إلى واشنطن ليناقش مع المسؤولين الأميركيين عملية رفح ويشرح وجهة نظره الخاصة بالنسبة لتخفيف أعداد القتلى المدنيين، ولبحث تفاصيل مفاوضات وقف إطلاق النار وما لن تقبل به تل أبيب ولن تتنازل عنه لحماس.
وكذلك قَبِل نتنياهو بإرسال الوفد المفاوض إلى الدوحة للبحث في قضية وقف إطلاق النار.
ومن المتوقع بقاء الوفد لنحو أسبوعين بعد منحه صلاحيات محدودة جداً وأقلّ بكثير مما طلبه رؤساء المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، بما يقلّص في شكل فاضح إمكان نجاح المفاوضات غير المباشرة مع «حماس».
وقد وَضَعَ نتنياهو خطوطاً حمر في ما يتعلق بالإنسحاب من المدن وعودة جميع المدنيين إلى الشمال وإدخال جميع الشاحنات المنتظِرة خارج معبر رفح لوقف المجاعة. وهذا سيعطيه الوقت الإضافي لاطالة عمر الحرب ولبناء الرصيف البحري، من دون أن يقدم أي تنازلاتٍ تحرج موقفه الداخلي مع حلفائه.
وبالنسبة لنتنياهو فهو أمام حلين كلاهما مُرّ: الأول أن يقف في وجه تحالفه مع التوأميْن المتشدديْن داخل حكومته وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير ووزير المال بتسلئيل سموتريش ويتسبّب بسقوط حكومته.
إذ يطالب المتشددون بعدم التفاوض واستمرار الحرب من دون الإلتفات إلى استعادة الأسرى الإسرائيليين والأثمان المطلوبة لذلك، وكذلك بعدم الإفراج عن أسرى فلسطينيين قَتلوا إسرائيليين لأن «أيديهم ملطخة بالدماء».
وتالياً، يرى نتنياهو لزوم التشدّد في المفاوضات لالقاء اللوم على حماس بالفشل والذهاب إلى الحرب ودخول رفح كنهايةٍ لا بد منها ترضي حلفاءه.
والثاني أن يُغْضِبَ نتنياهو حلفاءه في حكومة الطوارئ الوزيرين بني غانتس وغابي ايزنكوت اللذين يؤيدان وجهة نظر القادة الأمنيين بالتفاوض ووقف إطلاق النار لمدة 6 أسابيع والعمل على إطلاق سراح الأسرى أولاً.
وقد اتضح خياره بالانتقاد الموجّه لبني غانتس دون تسميته قائلاً: «لمَن يزور واشنطن أقول له إنه ينبغي عليه تَعَلُّم قول لا لحلفائنا (الأميركيون) كما أفعل»، مقدّماً نفسه بذلك للمجتمع الإسرائيلي المتشدّد كقائدٍ ذي شخصية قوية أمام غريمه السياسي (غانتس) الذي يحظى بدعمٍ أكبر في الكنيست من نتنياهو.
وهذا يعني أن لدى رئيس الوزراء خياراً لا لبث فيه لحماية مستقبله السياسي وهو إكمال الحرب وإفشال المفاوضات وعدم التنازل وتقليص الصلاحيات عن الوفد ليَدخل رفح حين يجهّز جيشه لذلك وبعد توافر إمكان دفع النازحين المليون ونصف نحو شمال رفح ليكمل عملياته العسكرية. وهذا لا يتناقض مع رغبة أميركا بـ «القضاء على حماس» وبأن «لا يكون هناك أي مكان آمن لقيادة التنظيم»، لتحقيق الأهداف بعد «القضاء على أربعة كتائب لحماس موجودة في رفح»، كما يدّعي رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وهذا ما يفسّر عدم انضمام رئيس جهاز «الشاباك» رونين بار إلى الوفد الذي يترأسه مدير «الموساد» ديفيد برنياع وطاقم تَفاوُضي فني والذي مُنع من بحث أسماء الأسرى الذين تطالب «حماس» بالإفراج عنهم وخصوصاً المحكومين بأحكام مؤبّدة مقابل الإفراج عن عدد من المجنّدات المعتقلات يوم السابع من أكتوبر، كشرطٍ من ضمن الشروط المتعددة التي يبحثها الطرفان.
ويرفض نتنياهو إعادة جميع النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة، بل يريد معاملتهم كما يعامل المصرَّح لهم بدخول المسجد الأقصى. وهذا يعني أن إسرائيل تريد تمزيق العائلات أو تحديد عودتهم للشمال، عبر السماح فقط للأطفال والنساء والمسنين فوق الخمسين أو الستين عاماً بالعودة، وهذا ما ترفضه «حماس».
وتقول مصادر قيادية في «حماس» داخل غزة لـ «الراي»، انها «لن تقبل أي مفاوضات لا تشمل وقف إطلاق نار شامل وعودة جميع سكان الشمال إلى منازلهم حتى المهدّمة منها. لقد أعادت حماس تشكيل قواتها العسكرية من جديد لسدّ الثغر على مستوى هيكلية التنظيم القتالي وملء جميع المراكز الشاغرة بعد مقتل عدد من المقاتلين».
وتؤكد ان «قيادات الصف الأول والصف الثاني سليمة، وخسائرها قليلة، ولديها القوة والأسلحة المناسبة لإكمال المعركة من دون تحديد وقت للصمود. وعند خروج القوات الإسرائيلية من أي شارع أو منطقة، تتم إعادة التنظيم والتسليح وتشكيل كتائب جديدة. وقد دفعت الغارات الإسرائيلية الراجلة إلى تطوير عمل المقاومة العسكري وإعادة التلغيم والمكامن».
وتعترف «حماس» بأنها «فقدت التأثير على الجبهة الداخلية الإسرائيلية بعد توقف شبه تام لقصفها لمناطق غلاف غزة أو أبعد من ذلك. إلا ان الحرب داخل غزة مع العدو الإسرائيلي لم تتوقف في كل المناطق التي ادعت إسرائيل أنها احتلتْها وقضت فيها على المقاومة».
وبحسب المصادر، فإن «حماس تعاونتْ مع المفاوضين القطريين والمصريين على الرغم من الوعود غير الضامنة بضرورة قبول وقف إطلاق نار أوّلي لمدة 42 يوماً، على أمل تمديده في وقت لاحق».
إلا ان معرفة الحركة بالعقل الإسرائيلي وبما يصرّح به نتنياهو والدعم الذي يلقاه من أميركا حول دخول – حتى ولو مشروط ومؤجَّل – إلى رفح، يؤكد ضرورة رفْض أنصاف الحلول أو القبول بأي عرض لا يتضمن وقف القتل وإطلاق النار في شكل نهائي. فالوقت بدأ يَنْفذ بالنسبة لإسرائيل، ولا سيما أن نتنياهو يطالب اليوم بأسابيع إضافية لإكمال الحرب وليس بسنوات، كما كان يصرّح.
«لقد دمّرت إسرائيل ما تريد تدميره من منازل ومؤسسات وبنية تحتية، وتالياً فإنه لم يعد هناك الكثير يُخشى خسارته بعد المجازر التي ارتكبها العدو بحق الشعب الفلسطيني. ومن هنا فإنه لن يتم القبول بأي عرضٍ لا يتضمّن عودة الحياة إلى طبيعتها. إنها مسألة عضّ أصابع»، تؤكد المصادر.
لن يكون هناك نصر كامل لأحد في غزة لأن المقاومة تتجدّد وتتأقلم مع الوضع الحالي وتتقبل الخسائر، بينما إسرائيل تدمّر وتقتل المدنيين ولم تحقق أهدافها المرسومة بتحرير الأسرى ولا بالقضاء على «حماس».
وهذا يعني أن المعركة مستمرّة، والذي يتحلى بالصبر الأكبر هو الذي سيفرض شروطَه النهائية على طاولة المفاوضات، المكان الذي تنتهي إليه جميع الحروب عاجِلاً أم آجِلاً.