No Script

مجرد رأي

مَن هم الكويتيون محدودو ومتوسطو الدخل؟

تصغير
تكبير

منذ نحو 10 سنوات، وتحديداً منذ بداية نشوء العجز المالي في الموازنة العامة بالسنة المالية 2014 /2015 أطلق مسؤولو الحكومة مصطلحات غير معتادة في مجتمع مثل الكويت مشهور بثروته الكبيرة وعدد سكانه القليل.

ولعل من أشهر هذه المصطلحات تأتي عبارة «موس على كل الرؤوس» و«انتهاء دولة الرفاه» علاوة على مصطلح «دعم المواطن متوسط ومحدود الدخل».

وبعيداً عن مطاطية جميع المصطلحات السابقة وإطلاقها بضبابية دون وضعها في قالب مالي علمي محدد، ما يستحق التوقف أمامه ملياً مصطلح «دعم المواطن متوسط ومحدود الدخل» لا سيما مع التسابق لاستخدامه في الفترة الأخيرة حتى بات عنواناً عريضاً في الترويج حكومياً ونيابياً.

لكن المفارقة الأكثر غراباً أنه إذا تم الاستفسار من أي مسؤول حكومي أو نيابي عن تعريفه لـ«المواطن متوسط ومحدود الدخل» لن تجد تعريفاً محدداً لهاتين الشريحتين!

وحتى لو اجتهد الباحثون في هذا الخصوص بالتفتيش في نشرات ودفاتر وزارتي المالية والشؤون باعتبارهما المعنيتين عن تعريف هاتين الشريحتين لن تتوافر إجابة شافية مثلما يمكن استنباطه في أي دولة بالعالم سواء متقدمة أو ناشئة أو فقيرة.

وإذا انتقل السؤال مباشرة إلى مسؤولي الوزارتين الذين طالما يستخدمون هذا المصطلح المبهم في تصريحاتهم وخططهم المعلنة سيسودهم الصمت كثيراً قبل أن يجروا السائل إلى دوامة العبارات النظرية مثل «العجز الاكتواري» الذي ضج الجميع بسماعه دون فهمه فنياً، ما يعكس أن الحديث إلى ذلك إنشائي أكثر مما هو عملي.

منذ استحداث خط فقر عالمي قدره دولار واحد للفرد في اليوم بمطبوعة تقريره عن التنمية في العالم لعام 1990، يستخدم البنك الدولي معدلات تعادل القوة الشرائية - وهي أسعار الصرف التي تعكس فروق الأسعار النسبية بين البلدان- لاستنباط خط الفقر الدولي وتقدير معدل الفقر في العالم.

ويتحدَّد خط الفقر الدولي على أساس خط الفقر الوطني النمطي في أفقر بلدان العالم. وتُستخدَم معدلات تعادل القوة الشرائية في تحويل خطوط الفقر الوطنية وكذلك قيمة دخل الأسر واستهلاكها –وهما أساس قياس الفقر في العالم– إلى عملة موحدة في ما بين البلدان.

ومع نشر معدلات تعادل القوة الشرائية الجديدة، عدل البنك الدولي خط الفقر الدولي من دولار واحد يومياً في معدلات تعادل القوة الشرائية لعام 1985 إلى 1.08 دولار بمعدلات 1993 وإلى 1.25 دولار بمعدلات 2005، وإلى خط الفقر 1.90 دولار للفرد في اليوم بمعدلات تعادل القوة الشرائية لعام 2011.

وفي خريف 2022، تحول البنك الدولي إلى استخدام معدلات تعادل القوة الشرائية لعام 2017 لإعداد تقديراته للفقر في العالم. ويأتي هذا في أعقاب إصدار عام 2020 لمجموعة جديدة من معدلات القوة الشرائية استناداً إلى الأسعار التي جمعها في 2017 ضمن برنامج المقارنات الدولية. ونتيجة لذلك، أصبح خط الفقر الدولي 2.15 دولار للفرد في اليوم. ويعني هذا أن مَن يعيش على أقل من هذا المبلغ يومياً يُعد فقيراً فقراً مدقعاً فماذا عن الكويت؟

بالطبع، والحمد لله لا يوجد في الكويت بلد الإنسانية والعطاء فقر مدقع، لكن في المقابل لا يوجد منحنى تعريفي حكومي يميز بين المواطن الثري والمتوسط ومحدود الدخل، والسبب ببساطة أنه لا يوجد هيكل ضريبي بالدولة ولذلك قد يكون صاحب الدخل الذي يقل عن ألف دينار أفضل في مستوى المعيشة ممن يتجاوز دخله الألف دينار، بحكم أنه قد يكون من أصحاب المواريث أو مداخيل التجارة غير المشمولة في البيان الوظيفي، وبالتالي لديه دخل غير معرف لدى الدولة.

ونتيجة لذلك، تجد في الكويت ممارسة شاذة دولياً في شبكة دعوماتها حيث الجميع سواسية في الحصول على جميع أنواع الدعوم التي تقدمها الدولة دون تمييز بين المستحق وغير المستحق.

ومجتمعياً ومالياً، يعكس هذا المسار خللاً هيكلياً صريحاً نتيجته المباشرة إحداث ظلم بحقوق الشريحة المستحقة والضغط على الميزانية العامة بأوجه صرف غير مستحقة، باعتبار أن شريحة كبيرة من مستفيدي هذه الشبكة لا تحتاج لهذا النوع من الدعم المجتمعي للدرجة التي يتخلى بعضهم عن حقه بإعادة توزيعه مجاناً لمن يراه مستحقاً.

ولذلك، وكخطوة أولى لتحسين معيشة المواطنين يتعين إقرار الحكومة لمنحنى مجتمعي تحدد من خلاله من يستحق الدعم ومن لا يستحقه، وعندما يتحقق هذا الفرز الصحي والعادل ستتقلص أعباء الدولة المالية ليعاد استخدام الفائض في أوجه صرف أخرى مستحقة بدلاً من الهدر المحقق من آلية الدعوم الحالية.

وهنا تتحق الفائدة المزدوجة للدولة والمواطنين.

الخلاصة:

من المفيد بل من المستحق وضع تصور جديد لمنظومة الدعوم ضمن خطة تطوير السياسة المالية للدولة والتي تعد أبرز محاور البرنامج الوطني للاستدامة المالية والاقتصادية، على أن يشمل ذلك وضع تعريف محدد لمحدود ومتوسط الدخل بشرائح معرفة الدخل وبالتالي تتم إعادة هيكلة ناجحة للدعوم المقدمة للمواطنين.

وفي هذه الحالة سيتم ضمان وصول الدعم الى مستحقيه ومن ثم تتحقق العدالة المجتمعية وفقاً لآليات مالية مستدامة.

مع الأخذ بالاعتبار أن تشمل المعالجة المستهدفة بهذا الاتجاه إقرار مراجعة شاملة بهدف إيصال الدعم الى مستحقيه من الشرائح المحدودة والمتوسطة الدخل الأسري. على أن يشمل التحول لذلك جميع أنواع الدعوم بدءاً من بطاقة التموين وانتهاءً بالدعم الإسكاني.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي