فجعت الكويت بالأمس برمز من رموز أبطال الكويت الأوفياء والذي رحل جسداً ولكن سيبقى طيب أثره على مر السنين، رحل صوت الكويت الصادح ابان فترة الغزو العراقي الغاشم والذي أطلقت حنجرته بشائر التحرير، رحل القامة الشامخة والهامة التي تنحني لها النواصي، رحل حبيب الوطن صاحب اللثام الذي أزعج حينها القوات العراقية الغازية، رحل من أعطى الوطن دون مقابل، رحل من كان للوطن درعاً في وجه العدوان العراقي، رحل مترجلاً من صهوة الحياة ليسلم روحه للباري عز وجل وينضم لكوكب رجال المقاومة الراحلين، غاب عن الوجود للأبد ولكن ترك خلفه إرثاً من حب الوطن يشار له بالبنان...
أحبتي، لقد رحل القيادي والمعلم الفريق الركن المتقاعد أحمد محمود الرحماني (طيّب الله ثراه)، ولو حاولنا أن نسلّط الضوء على شخصية الفقيد فلن نستطيع أن نوفيه حقه، وستقف سطور الحزن وكلمات الرثاء عاجزة عن وصف ما تجيش به النفس من وجعٍ وألم لهذا المصاب الجلل، ولكن لا نقول إلا ما يرضى الرب «إنا لله وإنا إليه راجعون»، وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أبا فهد لمحزونون، ولكن فقدٌ بهذا الحجم لا يحتمل... فقدٌ لا يحتمل... فقدٌ موجع لدرجة كبيرة.
الراحل من أبطال رجال المقاومة الكويتية ابان فترة الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت حيث كان يعمل بهيئة العمليات والخطط برتبة مقدم ركن، ومنذ انطلاق شرارة الغزو آثر الفقيد على نفسه إلا الوقوف بوجه المعتدين وتلقينهم درساً في حب الوطن والذود عنه، فشحذ الهمة وتسلح بسلاح الإيمان بالله وحب الوطن وراح يدافع عن معشوقته الكويت بكل ما أُوتي من قوة وإخلاص، حيث عرف بلثامه الذي أزعج القوات العراقية، وبات هدفاً لهم للإطاحة به والقبض عليه، ولكنه كان حريصاً كل الحرص في تحركاته فخاب مسعى العراقيين وبات رمزاً لرجال المقاومة الكويتية.
لقد عمل الراحل جاهداً بمعية زملائه للدفاع عن حق الكويت المغتصب ووضع لنفسه خارطة طريق يسير من خلالها في طريق التحرير وكان له ما يطمح إليه، كان على ثقة بأن النصر آت لا محال، وما هي إلا مسألة وقت وتعود الكويت حرة أبية وتعود القيادة الشرعية إلى عرينها المنشود، وخلال تلك الفترة كان الفقيد مثالاً يُحتذى به في حب الوطن والتفاني من أجله ضارباً أروع الأمثلة في التضحيات والبطولات الباسلة التي يشار لها بالبنان، معرّضاً حياته للخطر في العديد من المواقف الخطرة، كان الراحل صوت الكويت الأصيل الذي كان يحث زملاءه على مواصلة العطاء والصبر والصمود وبذل الغالي والنفيس من أجل رفعة الكويت والتصدي للعدوان العراقي مهما كانت النتائج المحتملة، كان يضع روحه بكفة وهذا الوطن في كفة أخرى راجحة، لقد أحب الفقيد الكويت فأحبته الكويت.
الفريق المتقاعد/ أحمد محمود الرحماني (رحمه الله) ليس من الشخصيات العادية ليكون فقده عادياً، بل هو ذاك الكويتي الأصيل الذي يجب علينا الوقوف عنده وشرح مآثره للجميع.
باختصار إن الراحل رجلٌ من الطراز الأول في الإخلاص والتضحية ومثالٌ للرجل الكويتي المخلص وعسكريٌ لا يشق له غُبار، صفات عدة يعجز المقام عن ذكرها في هذا السياق.
باختصار، كنت لي القائد منذ دخولي الكلية العسكرية سنة 1979، كنت المعلم، المدرب، المرشد، الناصح واستمرت العلاقة الأخوية وكنت رجل المواقف... والمواقف كثيرة لن ننساها ما حيينا.
أبا فهد، ترثيك الكويت قاطبةً وتشهد لك ذكريات الغزو بشجاعتك وتضحياتك، عملت بصمت ورحلت بهدوء وعلى مثلك تبكي العيون ويحزن الفؤاد، فنسأل المولى عز وجل أن يسكنك فسيح جناته ويغفر لك ما قد كان منك ويرحمك رحمة واسعة، وتبقى الكويت بأبنائها المخلصين ودمتم سالمين.
العقيد الركن المتقاعد ناصر سالمين
الأسير المحرّر