قوام المعاملات الدولية والعلاقات الديبلوماسية الناجحة على الرفق ما أمكن.
الرفق والديبلوماسية الناعمة المحشوة بالمجاملات وعدم العجلة وعدم الشدة، ثم على القوة المنصفة لاتقاء ما لا يُتقى بغيرها (إنّ الله رفيق يحب الرفق)، وعلى مثل هذا الأساس تنصلح العلاقات بين الأمم والحكومات وفي الرفق كل ما يهيئ الأسباب للوحدة الإنسانية العالمية بين الناس كافة، والبشرية هم الذين يعمهم القرآن بالخطاب ولا يخص به المسلمين وحدهم حين يقول (يأيها الناسُ) وليس من مانع يعوق الوحدة العالمية والنظام الدولي عند أصحاب دين يصدقون الرسل جميعاً ويؤمنون بهم ولا يفرّقون بين أحد منهم، ويعتبرون الناس كلهم أمة واحدة –كلكم لآدم وآدم من تراب-.
وعلاقة الحرب والسلم بين المسلمين وجيرانهم منذ انطلقت جحافل الجيوش من بلاد الشام في عهد بني أُمية هي أرفع معاملة عُرفت في تاريخ الحضارة الإنسانية من حيث أمن الدول وأمن الطريق وتأمين المسالمين وفتح المعابر للمساعدات والتجارة في الذهاب والإياب، وتنظيم ذلك كله بعهود ومواثيق أمر الله تعالى بالوفاء بها وحث عليها (يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعُقود) مع حث المسلمين على رعايتها ومسامحة الغادرين في غدرهم إذا أمِنوا العاقبة ولم تلجئهم الضرورة إلى مقابلة الغدر بمثله دفعاً للهلاك وصوناً للحدود والحُرمات.
حقاً لقد سبق الإسلام أمم الحضارة الحديثة إلى كل خير في معاملة الأسرى والرسل والجواسيس.
فالأسير يُفتدى والرسول لا يخشى على نفسه وماله، والجاسوس يعاقب بعقابه المصطلح عليه في كل زمان.
جاء ابن النوّاحة، وابن أُثال، رسولا مسيلمة الكذّاب، إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال لهما: (أتشهدان أني رسول الله) قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله: (آمنت بالله ورُسله، لو كنت قاتلاً رسولاً لقتلتكما).
فمضت السُنة بتأمين الرسلُ فكانت الجزيرة العربية وما زالت جزيرة بالمعنى السياسي – لا الجغرافي – إذا نظرنا إلى الدول التي حدّقت بها في عهد الدعوة الإسلامية وتربصت بها الدوائر للإيقاع بالدعوة في فجر الإسلام وضحى الإسلام وكان على رأس تلك الدول فارس والروم، الذين صدّوا عن سبيل الله لصيانة عروشهم واستئثاراً بمنافعهم الخاصة في إطالة أمد سلطانهم وعبودية وإذلال شعوبهم ولا يرجون في ذلك الحجة والبيان بل السيوف السنان... فاللهم أنت السلام ومنك السلام.