هيمنة «النقود البلاستكية» و«الإلكترونية» خفّضت حصة النقد لكن لم تفقده زخم الحضور

ربع المدفوعات في الكويت «كاش» فمَن يُغذّي «المَلِك»... رغم محاصرته حكومياً ومصرفياً؟

تصغير
تكبير

- 790 ألف عامل منزلي ومَن في حكمهم غالبيتهم بلا حسابات مصرفية
- العمالة السائبة تعمل بـ «اليومية» وتتقاضى أجرها نقداً   
- السوق السوداء تجذب عملاء التحويلات المالية و«الممنوعات»
- الكويت متقدّمة خليجياً في استخدام سكانها للدفع الرقمي بأرقام تؤكد القفزة
- التشدّد في مكافحة «غسل الأموال» دفع البعض لتجنّب المُساءلة رغم سلامة معاملاتهم 

رغم الهيمنة الواضحة للدفع بالوسائل الإلكترونية في السنوات الماضية بالكويت، بفضل النمو الهائل بتطبيقات التكنولوجيا المالية، ومنصات التجارة الإلكترونية، ورغم انخفاض نسبة «الكاش» من سنة إلى أخرى، تشهد السحوبات النقدية تداولاً ملحوظاً في السوق المحلي، ما يزيد الحيرة حول من يغذي هذه التعاملات، ولماذا لم تتقلص بقوة رغم القفزة المسجلة بمدفوعات «الأونلاين» و«نقاط البيع»، وهل لا تزال مقولة «الكاش هو الملك» تجذب البعض ومن هو هذا البعض؟

رقمياً، بلغت جميع سحوبات المدفوعات المالية المنفذة خلال 2023 نحو 45.795 مليار، مقارنة بـ42.181 مليار بـ2022 بنمو 8.5 ٪.

ولعل المفارقة أنه رغم تراجع سحوبات أجهزة السحب الآلي في العام الماضي بـ2.1 ٪ مقارنة بتعاملات 2022، لا تزال تشكل كتلة مؤثرة من إجمالي العمليات المنفذة بحصة تقارب الربع وتحديداً نحو 23.5 ٪، إذ بلغ رصيدها 10.722 مليار فيما وصلت تعاملات أجهزة نقاط البيع الفترة نفسها 17.519 مليار بنمو 6.4 ٪، وسجلت المدفوعات عبر المواقع الإلكترونية قفزة بـ18.9 ٪ مقارنة بـ2022 لتصل 17.553 مليار.

رصيد التعاملات

وتأتي هذه الأرقام وسط الجهود الحكومية والمصرفية التي تستهدف تقليص التعاملات النقدية لصالح رصيد «النقود البلاستكية» و«الإلكترونية»، وذلك ضمن خطوات أوسع تقودها لضبط أي عمليات محتملة لغسل الأموال، والتي شملت وقف دفع «الكاش» للصفقات العقارية، على أن يتم السماح بالتعامل بالشيكات المصدقة والتحويلات البنكية، وذلك في مسعى لزيادة المقدرة للتعرف على مصدر الأموال.

وفيما توالت الإجراءات الوقائية لتصل إلى وقف دفع مشتريات الصيدليات نقداً إذا تجاوزت القيمة 10 دنانير، وأصبح مصرفياً مفهوم «الدفع الرقمي» عنواناً عريضاً لأهم ركائز مستقبل القطاع المالي، بعيداً عن النقود الورقية، ورغم أن السيولة النقدية تعتبر عدواً افتراضياً للبنك المركزي لمخالفتها لمستهدفات التحول الرقمي مالياً، لا يزال «الكاش» حاضراً وبقوة.

وما يزيد الغرابة أن القيمة العالية لعمليات السحوبات النقدية ورغم تراجعها ليست على ارتباط وثيق بزيادة التوظيف الذي لم يسجل نمواً ملموساً منذ بداية 2023، وهذا ينسحب أيضاً على الزيادة السكانية التي لم تحمل أي طفرة، فحسب آخر بيانات صادرة من الهيئة العامة للمعلومات المدنية بنهاية ديسمبر الماضي، بلغ إجمالي سكان الكويت نحو 4.86 مليون نسمة، بنمو يقارب 2.6 في المئة مقارنة مع نهاية 2022 البالغ نحو 4.737 مليون، ما يشكّل ارتفاعاً بنحو 122.7 ألف.

نمو مسجل

تحليلياً، توجد تفسيرات عدة لبقاء قوة سحوبات الكاش رغم النمو المسجل بعمليات نقاط البيع والإلكترونية، ورغم تسارع وتيرة الرقمنة المالية وكل الجهود المبذولة حكومياً لإبطاء وتيرة الكاش عند أدنى مستوى، والتي تتراوح بين من يرجع الأمر إلى زيادة الإنفاق الأسري بفعل التضخم المتصاعد العام الماضي، وبين من يعزيه إلى وجود نحو 790 ألف عامل منزلي وما في حكمه من «القطاع العائلي» غالبيتهم لا يملكون حسابات مصرفية علماً أنهم يشكلون 27.3 في المئة من إجمالي العمالة بالكويت كما في نهاية الربع الثالث 2023 وذلك وفقاً للإدارة المركزية للإحصاء.

ويضاف لهذه الشريحة كتلة مؤثرة وهي العمالة السائبة التي تعمل بنظام اليومية أو «المقاولة»، فرغم أن لدى أعضائها بطاقات مصرفية إلا أنهم يحصلون على أجورهم نقداً.

لكن أياً تكن التفسيرات، ثمة حقيقة لا ينكرها أحد من المطلعين على ما يجري في سوق النقد، وهي أن السوق السوداء أحد أبرز محركات سحوبات الكاش.

وعندما يفتح الحديث عن السوق السوداء يتفرع النقاش حكماً لأكثر من مغذٍّ أبرزها يتعلق بنشوء سوق سوداء للتحويلات المالية، والتي توسعت العام الماضي مع زيادة استهدافها لأكبر كتلتين سكانياً وهما الجاليتان المصرية والهندية.

فهذه السوق وحسب تصريحات مسؤولين لـ«الراي» التهمت نحو 90٪ من تعاملات شركات الصرافة في 2023، وغالباً ما يطغى على تعاملاتها الدفع النقدي تفادياً للمساءلة القانونية.

كميات ضخمة

علاوة على ما سبق، هناك سوق «الممنوعات» بجميع مكوناته والتي يدخل في نطاقها جميع الأفعال المجرمة قانوناً والتي يركز فيها الإنفاق على النقد، فيما يتصدرها ركن المخدرات التي تنامى حجمه الفترة الماضية والشاهد بالكميات الضخمة التي تعلن وزارة الداخلية ضبطها بين الفينة والأخرى والتي تشي بحجم هذه السوق.

يذكر أنه حسب رد وزير الصحة الدكتور أحمد العوضي على سؤال برلماني هناك 81072 حالة راجعت مركز علاج الإدمان خلال الفترة منذ 2015 حتى سبتمبر الماضي، وأنه خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي تم فتح 894 ملفاً جديداً، وتلقى المركز 2081 حالة علاج داخل الأجنحة، وراجع 9537 حالة العيادات الخارجية، كاشفاً أن عدد حالات الوفيات بسبب الإدمان بلغ 268 حالة خلال الـ8 سنوات، فيما يشير المتوسط إلى وجود أكثر من 72 ضحية للإدمان سنوياً.

إجراءات المكافحة

تفسير إضافي لقوة السحوبات النقدية يتعلق بالتشدد الرقابي والمصرفي بالآونة الأخيرة في تطبيق إجراءات مكافحة عمليات غسل الأموال، فرغم أهمية ووجاهة الإجراءات المطبقة إلا أنها دفعت شريحة من السكان إلى حد استخدامها للقنوات الرسمية في مدفوعاتها، من قبيل مدفوعات الروابط المالية «اللينكات» مخافة من السؤال من أين لك هذا؟

ويندرج تحت ذلك عمليات مالية عدة لا تتعلق بعمليات غسل الأموال أبرزها مدفوعات الدروس الخصوصية وبعض استحقاقات العمل غير المنظم قانوناً مثل المستحقات المتأتية من العمل الإضافي وأجور العمالة السائبة وخلاف ذلك الكثير.

مصادر مسؤولة أكدت لـ«الراي» أهمية بلوغ المدفوعات الإلكترنية في الكويت إلى المستويات الحالية وبهذه الحصة، مبينة أن الكويت متفوقة خليجياً في الرقمنة المالية سواء لجهة المنفذة أو حتى قياساً بالمستهدف، مشيرة إلى صعوبة الهبوط بدورة الكاش بمعدلات قياسية أقله على المدى المتوسط، أخذاً بالاعتبار أن استمرار قوة التعاملات النقدية ليست حالة محلية بل موجودة في غالبية دول العالم، وأن الجميع يستهدف تخفيف وتيرتها.

11.95 تريليون دولار مدفوعات رقمية بـ 2025

وفقاً لـ «TradingPlatforms»، يتوقع نمو قيمة المدفوعات الرقمية حول العالم إلى 11.95 تريليون دولار في 2025.

وتعتبر السويد من أكثر الدول التي قللت استخدام العملات النقدية، مقابل ازدياد التعامل بالبطاقات ووسائل الدفع الإلكترونية، في حين تعتبر الصين من أولى الدول عالمياً في مجال التكنولوجيات الرقمية الموجهة نحو المستهلك.`

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي