نحنُ على موعد مع شهر رمضان، وهو سيد الشهور بلا منازع، شهر المحبة والتسامح والتفكير بآلام الفقراء والمحتاجين، فرضه الله تعالى على عباده، قال تعالى: «يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ»، وفي الصوم سر اجتماعي جميل وهو الرحمة الذي ينشأ من الألم عندما يصوم الإنسان، والصوم يقوم بدور التهذيب، ويكون الناس فيه سواء بشعور واحد وكأننا في دورة تدريبية مدتها شهر كامل، وهو معنى راق لمعاني الإنسانية.
وعندما يأتي شهر رمضان نتذكّر مدفع الإفطار، وقصة مدفع الإفطار أن والي مصر، محمد علي، اشترى مدافع حربية، وفي يوم من أيام رمضان كان الجنود يجربون المدافع، فانطلق صوت المدفع في لحظة غروب الشمس وأذان المغرب نفسها، فتصور الناس أن هذا تقليد جديد، وفرحوا بالفكرة، وطلبوا من الحاكم أن يستمر هذا التقليد خلال شهر رمضان في وقت الإفطار والسحور، فوافق، وتحول إطلاق المدفع بالذخيرة الحية مرتين يومياً إلى ظاهرة رمضانية مستمرة لليوم.
وفي رمضان فرصة لكي يغير الإنسان من نمط حياته السريع والذي تسببت به الحياة المعاصرة وما يكون معها من قطيعة، إلى تلاقي أفراد العائلة على أوقات محددة للفطور والسحور، فالجميع حاضر وقت الإفطار ووقت السحور، فلنستغل هذا الشهر المبارك في التخلص من عاداتنا السيئة وممارساتنا السلبية، ونضع لأنفسنا خطة تسمو بها نفوسنا، وتقربنا من الله عز وجل.
جرب أن تتخلص من الهواتف لفترة من الزمن أو لأوقات محدودة في شهر رمضان المبارك، ستجعلك تشعر بمَنْ حولك في البيت من أبناء ووالدين، وستقضي وقتاً أطول معهم، وستشعر بطعم آخر للحياة خصوصاً كبار السن الذين معك في المنزل نفسه والذين أشغلتنا عنهم الهواتف وبرامج التواصل...
وأيام قليلة تفصلنا عن مدرسة رمضان، وهي أقصر المدارس، فقط تفتح أبوابها لمدة شهر واحد ومستمرة من السنة الثانية للهجرة إلى يومنا هذا في السنة التي فرض فيها الصوم، ولكنها تقدم مواد روحانية مكثفة أكثر من أي مدرسة أخرى، ولكن لمَنْ استعدّ لها الاستعداد الأمثل سواء على المستوى الروحي أو العقلي أو الجسدي.
ويذكر د. محمد الغزالي، عن فلسفة الصوم أن «الصيام عبادة مستغربة أو منكورة في جوِ الحضارة المادية التي تسود العالم». تلك الحضارة التي «تؤمن بالجسد، ولا تؤمن بالروح، وتؤمن بالحياة العاجلة، ولا تكترث باليوم الآخر! ومن ثمَّ فهي تكره عبادةً تُقيِّد الشهوات -ولو إلى حين- وتؤدِّب هذا البدن المدلَّل، وتلزمه مثلاً أعلى» وهنا تكمن أهمية الصوم.
أما الأديب مصطفى صادق الرافعي، فيقول عن الصوم «يتناول الذوات بالتهذيب والتدريب المشترك، فيحول بين البطن وبين المادة، وبهذا يضع الإنسانية كلها في حالة واحدة،» تتلبس بها النفس في مشارق الأرض ومغاربها، ويطلق في هذه الإنسانية كلها صوت الروح يُعَلِّم الرحمة، ويدعو إليها، فَيُشْبع فيها بهذا الجوع فكرةً معينة هي كل ما في مذهب الاشتراكية من الحق، وهي تلك التي يكون عنها مساواة الغنيّ للفقير من طبيعته، واطمئنان الفقير إلى الغني بطبيعته.
في هذه الحياة دائماً نطمح للأفضل وللتغيير من ذاته وتطويرها إلى الأحسن، وهذا يحتاج إلى تدريب ومجهود وعمل دؤوب مستمر، وحقيقة التغيير تأتي من داخل الإنسان إلى الخارج كما جاء في قول الله تعالى: «إنّ اللهَ لا يُغيّرُ ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسهم».
والإنسان يحتاج إلى أن يكرّر الأمر الذي يود أن يغيره حتى يحدث نجاحاً، إذاً، فشهر رمضان يمتنع فيه الإنسان عن الأكل والشرب لمدة 30 يوماً تقريباً، من الفجر إلى وقت المغرب، وفي الحقيقة فإن الإنسان سيتعود على اكتساب عادات إيجابية.