«إسكان» بالتمويل الذاتي... الفائدة مزدوجة للدولة والشركات
فتح مع ما نشرته «الراي» في عددها الصادر 3 مارس الجاري تحت عنوان (225 قسيمة تابعة لـ «الرعاية السكنية» للبيع في المزاد... بـ 2.5 مليار دينار) فجوة كبيرة في حائط أوسع من التحديات التي تواجه حلحلة القضية الإسكانية، التي ظلت الحكومات المتعاقبة تكافح طوال عقدين تقريباً لرسم حدود نهائية للملف، من دون أن تفلح في ذلك، بينما تضيق احتمالات توافر الحلول مع تزايد عجز الموازنة العامة الذي بدأ في السنة المالية 2014 واستمر في التراكم حتى الآن.
ووسط تواصل تضاعف الطلبات لدى «الرعاية السكنية» إلى نحو 95 ألفاً مدرجين بقوائم الانتظار، فإن عجز السيولة في صندوق الاحتياطي العام يعطّل خطط توفير حلول سلسة للأزمة الإسكانية.
وفيما يُتوقّع حكومياً أن يصل العجز المالي في بنك الائتمان 16 مليار دينار بحلول 2035، وما يستتبعه ذلك من صعوبة تكتنف حلحلة الملف الإسكاني على المديين المتوسط والبعيد، قدمت «الرعاية السكنية» دراسة تستهدف حلولاً غير تقليدية، من خلال طرح 225 قسيمة تجارية واستثمارية تابعة لها في المدن محل التنفيذ، للبيع في المزاد بنحو 2.5 مليار دينار.
وتستهدف الرؤية التي طرحتها «الرعاية السكنية» فائدة مزدوجة للدولة وللقطاع الخاص، مما يمكّن «الرعاية السكنية» تغطية نفقات الصرف في مدنها ذاتياً، بما يضمن تسريع إنجاز المشاريع المقررة حالياً ومستقبلاً، ويغذي خطط تعظيم إيرادات الدولة غير النفطية، بجانب ما يحمله ذلك من فرص استثمارية عظيمة للقطاع الخاص.
وفي هذا الخصوص أبدى متخصصون عقاريون ومصرفيون انحيازهم لرؤية «الرعاية السكنية»، وقالوا إنها تحمل تصوراً مستحقاً لمعالجة أزمة تراكم الطلبات الاسكانية، مشيرين إلى أن فصول الأزمة الإسكانية تتشعّب عاماً بعد عام، مع تزايد أعداد المستحقين للرعاية السكنية، ما يكلف الدولة أعباء مالية مضاعفة.
ولفتوا إلى أن معاناة الدولة من اعتمادها المفرط على النفط كمصدر وحيد لتمويل ميزانيتها المثقلة بالصرف الاستهلاكي، عطّل قدرتها على الصرف على مشاريع عديدة مهمة، وبالتالي تزداد وجاهة بيع المؤسسة لبعض قسائمها لتمويل تنفيذ المدن الحالية وتخفيف العبء على الخزينة العامة.
وإزاء هذا الواقع الصعب، واستناداً إلى التوجه الحكومي الحالي للإصلاح وتصحيح المسارات، الذي ظهرت بوادره في خفض مصاريف بعض الجهات ضمن بنود الميزانية العامة للسنة المالية الجديدة التي تبدأ في أبريل المقبل، اجترحت «الرعاية السكنية» بعض الحلول لمعالجة الاختلالات بشكل متدرج، تنطوي أولاً على تغيير مفهوم الرعاية السكنية، بحيث يجري تحويل قضية الإسكان إلى قضية استثمارية يتم التعاطي معها وفق آليات اقتصادية، تبدأ بتقليص دور الحكومة في إدارة وتمويل مشاريع السكن، والتوجه لإعطاء دور قيادي للقطاع الخاص ليكبر ويتوسع ويكون شريكاً حقيقياً في التنمية.
وأشاد عقاريون ومصرفيون في تصريحات لـ «الراي»، بمقترح «الرعاية السكنية» وأكدوا أنه توجه يفتح المجال لإشراك القطاع الخاص في القطاع السكني، ويعالج إشكالية ضعف قدرة ميزانية الدولة على الصرف على المشاريع الإسكانية بالشكل الذي يعالج التأخر في تسليم المشاريع، وفي ظل غياب تشريعات تدعم القطاع، مثل إقرار قانون للمطور العقاري.
قيس الغانم: حل يغني ميزانية الدولة عن تمويل الإسكان
أكد الخبير العقاري قيس الغانم، أن مقترح «الرعاية السكنية» أحد التوجهات السديدة لمعالجة أزمة الإسكان في البلاد، مبيناً أن عرض القسائم في مزادات من عوائدها يغذي تمويل المشاريع الإسكانية.
وقال الغانم إن ميزانية الدولة ما عادت تتحمل الصرف على المشاريع الإسكانية بما يعالج التأخر في تسليم المشاريع، في ظل غياب تشريعات تدعم القطاع مثل قانون للمطور العقاري أو للممول العقاري.
وأضاف أن غياب مثل تلك التشريعات الداعمة، يحتّم على الحكومة البحث عن بدائل أخرى لتمويل المشاريع، مبينا أن طرح القسائم التجارية والاستثمارية في المناطق السكنية في المزادات توجه جيد وقد تم بالفعل في مدينة «جابر الأحمد»، ولكن كان بالحصول على القسائم من الحكومة مباشرة، وليس عن طريق المزاد، كما تنوي «الرعاية» فعله في المدن الجديدة.
وأشار الغانم إلى أن الإقبال على المزادات المقترحة سيعتمد على العديد من العوامل، مثل نوعية القسيمة ومكانها ومميزاتها والمدنية التي سيتم فيها الطرح، داعياً إلى سرعة إقرار قوانين داعمة للقطاع الإسكاني لحل الأزمة.
سليمان الدليجان: يحرّك عجلة الاقتصاد ويخلق الفرص
أفاد الخبير العقاري ومدير مكتب الدليجان سليمان الدليجان، بأن الحكومة اتجهت في الفترة الأخيرة إلى طرح القسائم التجارية في المدن الجديدة، وحازت بعض الشركات الخاصة قسائم تجارية في «صباح الأحمد» و«المطلاع» و«جابر الأحمد»، معرباً عن تشجيعه لاستمرار الحكومة في طرح هذه الوحدات في المدن الجديدة للقطاع الخاص، الأمر الذي يخلق فرصاً استثمارية للشركات داخل البلاد، حفاظاً عليها وحتى لا تتوجه هذه الشركات باستثماراتها إلى الخارج.
وقال إن ذلك سيحرك الدورة الاقتصادية في البلاد، خصوصاً في قطاع المقاولات والمكاتب الهندسية وصناعات الحديد والأخشاب، ناهيك عن توافر فرص ترفيهية تشجع على السكن هناك وتساعد على الاستقرار في هذه المدن الجديدة.
ماجد العجيل: دعمٌ للقطاع الخاص وتسريع للتنمية السكنية
قال رئيس مجلس إدراة بنك برقان السابق، ماجد العجيل، إن أهمية ما طرحته «الرعاية السكنية» تنبع في الوقت الراهن، بتزامنه مع التوجه العام للدولة، الذي يحمل مؤشرات عدة داعمة لفكرة دعم القطاع الخاص وإشراكه بشكل أفضل من الماضي، في خطط التنمية المرعية في الدولة.
وأضاف العجيل أن التوسع في تطبيق ما طرحته «الرعاية السكنية» سيسهم في تعجيل وتيرة التنمية في القطاع السكني، وتحريك العجلة الاقتصادية وتعظيم موارد الدولة بالعوائد الناتجة عن مزادات بيع مثل هذه القسائم، مبيناً أن طرح القسائم سيشمل أراضي مخصصة للمدارس والجامعات الخاصة، كما سيتم طرح قسائم تجارية متنوعة وهي أمور ستسهم في دعم السكن في هذه المناطق الجديدة.
إبراهيم العوضي: خطوة صحيحة لتعظيم إيرادات الدولة
أكد عضو مجلس إدارة شركة أعيان العقارية إبراهيم العوضي أن دراسة «الرعاية السكنية» لمعالجة الأزمة، ممتاز ولعدة أسباب، أولها أن طرح المؤسسة لهذه الأراضي غير المخصصة للسكن الخاص لتطويرها عبر القطاع الخاص سيحرك عجلة الاقتصاد، مع استفادة المواطنين المستحقين للرعاية السكنية الحاصلين على قسائمهم في المدن الجديدة.
وأضاف العوضي أن التوجه سيسهم في تعظيم إيرادات الدولة واستخدام عوائد المزادات في حلول المشكلة السكانية، فأحد المعقوات التي تواجه المؤسسة حاليا يكمن في عدم تدفق الموارد المالية، الأمر الذي يسهم في علاج هذه المشكلة، كما أن طرح هذه الأراضي للمستثمرين سيفتح قنوات استثمارية جديدة تسهم في تعزيز اقتصاد الدولة، وجذب رؤوس أموال محلية وأجنبية وتوجيه هذه الأموال إلى قطاعات عقارية خارج القطاع السكني.
وزاد أن هذا التوجه سيسهم في خفض تكلفة الأراضي السكنية المطروحة من خلال تشجيع التجار والمستثمرين للاستثمار في الخدمات التجارية والاستثمارية في هذه المناطق.
عبدالعزيز الدغيشم: توجه يفتح المجال
أمام المستثمرين
أثنى رئيس اتحاد الوسطاء العقاريين، عبدالعزيز الدغيشم، على دراسة «الرعاية السكنية»، مشيرا إلى أنه توجه جيد ويفتح المجال أمام المستثمرين من القطاع الخاص للمشاركة في التنمية الإسكانية في الدولة.
وتوقع الدغيشم أن تشهد مزادات تلك القسائم إقبالا كبيراً من الشركات والمستثمرين، لا سيما مع انغلاق باب استثمارات الشركات في قطاع العقارات السكني، معرباً عن أمله في أن تتم زيادة عدد القسائم التجارية المطروحة، لمواجهة الإقبال المتوقع من المستثمرين.
ورحب الدغيشم بأي اقتراح يقدم حلاً للمشكلة الإسكانية التي تعاني منها الكويت، فقد تم طرح العديد من الحلول في السابق لكن دون تنفيذ على أرض الواقع، ومن بينها تعديل القوانين الإسكانية التي تشكل عائقا أمام زيادة المعروض من الوحدات السكنية، إضافة إلى وقف تأجير السكن الخاص الذي أساء إلى القطاع السكني، حتى أضحت بعض المناطق السكنية طاردة للكويتيين بسبب ارتفاع أسعار تأجيرها، ما يترتب عليه تأثر أسعار العقارات سلباً، فيما يزاد الضغط على خدمات المناطق، سواء المستوصفات ومواقف السيارات ويتزايد الزحام في الشوارع وخصوصاً في أوقات الذروة.