عزا انخفاض جزء كبير من تراجع النفقات إلى غياب المصاريف الاستثنائية منها
«الوطني»: وضع المالية العامة في الموازنة المقبلة... أفضل من المتوقع
- عجز الموازنة يسلّط الضوء على التحديات المستمرة لتحقيق الاستدامة المالية
أفاد بنك الكويت الوطني بأن مشروع الموازنة الحكومية للسنة المالية 2024/ 2025 كشف تسجيل عجز كبير بقيمة 5.9 مليار دينار. ويعد الانخفاض في العجز المقدر عن موازنة السنة المالية 2023/ 2024 نتيجة انخفاض النفقات المرتبطة بالبنود الاستثنائية، الأمر الذي ساهم في تعويض التراجع المتوقع للإيرادات نتيجة انخفاض إنتاج النفط، في حين لا يبدو أن الموازنة العامة شملت تدابير جديدة لتعزيز الإيرادات.
وتوقع «الوطني» في تقرير أن يكون وضع المالية العامة أفضل من المتوقع في موازنة العام المقبل على خلفية عوامل عدة تتضمن الانفاق بمستويات أقل من المستوى المستهدف في مشروع الموازنة، وارتفاع أسعار النفط مقارنة بالسعر المتوقع في الموازنة. إلا أن هذا العجز قد يكون التاسع الذي تسجله الموازنة العامة خلال السنوات العشر الماضية، ما يسلط الضوء على التحديات المستمرة المتمثلة في تحقيق الاستدامة المالية على المدى الطويل. وفي غياب إصدار أدوات دين جديدة أو غيرها من التدابير المماثلة، فسيستمر تصاعد الضغوط التي تتعرض لها الاحتياطيات النقدية للحكومة.
ومن المقرر أن يبلغ بند النفقات 24.6 مليار دينار في السنة المالية 2024/ 2025، بانخفاض 6.6 في المئة مقارنة بموازنة العام السابق. كما تم خفض النفقات على جميع البنود الرئيسية: الدعوم (-22 في المئة مقارنة بالموازنة السابقة، لنحو 4.7 مليار دينار)، والرواتب (-0.8 في المئة إلى 14.8 مليار دينار)، والنفقات الرأسمالية (-7.7 في المئة إلى 2.3 مليار دينار)، والنفقات الأخرى (-4.7 في المئة إلى 2.7 مليار دينار).
خفض النفقات
ويعزى «الوطني» جزءاً كبيراً من خفض النفقات إلى غياب النفقات الاستثنائية غير المتكررة مقارنة بموازنة العام السابق، والتي تمثلت في نحو مليار دينار من المدفوعات مستحقة السداد لتغطية عدد من البنود كالدعم غير المسدد المتعلق بتشغيل المصافي ومحطات المياه والكهرباء، كما تم توفير مبلغ إضافي قدره 0.5 مليار دينار في هيئة بدلات الإجازات المتراكمة غير المتكررة، وباستبعاد تلك البنود، تنخفض النفقات المدرجة في الموازنة بنسبة أكثر تواضعاً قدرها 1 في المئة عن العام السابق، ما يبين سعي الحكومة لضبط الانفاق في ظل العجز الكبير المتوقع، نظراً لأن معدل نمو الإنفاق قبل الجائحة كان في حدود 6 في المئة سنوياً في المتوسط.
وفي ما يتعلق بالهيكل العام للنفقات، أفاد «الوطني» بأن هنالك نقطتين في الموازنة تستحقان تسليط الضوء عليهما، وهما استمرار هيمنة البنود المتعلقة بالأجور والدعوم والانخفاض المستمر في النفقات الرأسمالية. أولاً، ارتفعت حصة الأجور وإعانات الدعم بوتيرة مطردة على مدى السنوات القليلة الماضية، ووصلت الآن إلى معدل مرتفع بنسبة 79.4 في المئة من إجمالي النفقات المقدرة، وتمثل الأجور وحدها 60.4 في المئة، وهي أعلى حصة تصلها على مدار السنوات الأخيرة.
تذبذب الدعوم
وبيّن التقرير أنه رغم إمكانية تذبذب قيمة الدعوم بسبب تغير أسعار الطاقة، إلا أن جمود برامج الدعم والإنفاق الإجمالي على الأجور يشير إلى أنه من المرجح تقليص النفقات من خلال خفض النفقات الرأسمالية أو من خلال البنود التقديرية الأخرى، أي فئة «العلاوات والبدلات» و«المكافآت»، والتي بدلاً من ذلك شهدت زيادة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة.
وعلى صعيد متصل، أوضح «الوطني» أن الخفض المستهدف للنفقات الرأسمالية يعد الثالث على التوالي، بعد تقليص موازنة السنة المالية 2022/ 2023 والسنة المالية 2023/ 2024 بنسبة 15-16 في المئة سنوياً، إضافة إلى ذلك، بلغ الإنفاق الرأسمالي الفعلي نحو 70-80 في المئة من القيمة المستهدفة ضمن الموازنة العامة على مدى السنوات القليلة الماضية، ما أدى لتراجع النفقات الرأسمالية الحكومية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى منخفض بلغ 3.7 في المئة في السنة المالية 2022/ 2023.
ويعتبر هذا المعدل أقل من الانفاق الرأسمالي للدول المجاورة وسيتطلب رفعه إذا أرادت الحكومة تحقيق خطة عملها المكثفة المليئة بالمشاريع. وتجدر الإشارة إلى تعويل الحكومة على الاستفادة بصورة أكبر من القطاع الخاص، بما في ذلك الشراكة بينهما، والاستثمارات خارج الميزانية العمومية من خلال صندوق «سيادة» المقترح، لدعم مساعيها التنموية.
من جهة أخرى، يتوقع «الوطني» انخفاض الإيرادات إلى 18.7 مليار دينار (-4.1 في المئة على أساس سنوي) بما في ذلك الإيرادات النفطية بقيمة 16.2 مليار (-5.4 في المئة على أساس سنوي)، في ظل التوقع الحكومي المتحفظ لأسعار النفط (70 دولار للبرميل في المتوسط).
وتقدير انخفاض الإنتاج النفطي (إلى 2.55 مليون برميل يومياً من 2.68 مليون برميل يومياً) بما يتسق مع التزامات الكويت بخطة خفض حصص الإنتاج التي أقرتها منظمة أوبك وحلفائها. إلا أن الوصول إلى متوسط مستوى الإنتاج المتوقع في الموازنة قد يتحقق في حالة واحدة فقط والتي تتمثل في التراجع سريعاً عن تخفيضات الإنتاج الحالية البالغة 135 ألف برميل يومياً خلال الربع الأول من 2024، (وصل معدل الإنتاج في يناير 2024 إلى 2.4 مليون برميل يومياً).
تقدير الأرصدة
ووفقاً للتقديرات الحالية لأرصدة العرض والطلب في سوق النفط، يبدو هذا التصور متفائلاً بعض الشيء. وفي الوقت ذاته، يتوقع أن ترتفع الإيرادات غير النفطية إلى 2.4 مليار دينار (+5.7 في المئة)، بما يمثل 13 في المئة من إجمالي الإيرادات. ورغم عدم الكشف عن التفاصيل الكاملة بعد، إلا أنها تشمل إيرادات ناتجة عن ضريبة الشركات والرسوم الجمركية والإيجارات العقارية ورسوم المياه والكهرباء وإيرادات المستشفيات والرسوم والغرامات الحكومية الأخرى. ويعتبر نمو الإيرادات غير النفطية المتوقع للسنة المالية 2024/ 2025 قريباً من متوسطه التاريخي، ما قد يشير لعدم اعتماد تدابير جديدة ضمن هذه الموازنة لتعزيز الإيرادات غير النفطية.
تراجع ضغوط «الاحتياطي العام»
رغم سهولة السيطرة على نمو النفقات العامة مقارنة باستحداث مصادر جديدة للإيرادات، يرى «الوطني» أن خطة عمل الحكومة تشير أيضاً إلى التحرك لإعادة تسعير رسوم الخدمات الحكومية والإيجارات العقارية، وإصلاح الدعوم، وفرض ضرائب على الشركات وضريبة انتقائية.
ولفت إلى أن ضغوط السيولة على المدى القريب التي يتعرض لها صندوق الاحتياطي العام تراجعت بفضل الفائض المالي الكبير المسجل في السنة المالية 2022/ 2023 (بسبب الارتفاع الاستثنائي لأسعار النفط) والتحويلات من قطاع النفط، إلا أن الحكومة كانت حريصة على تجنب عودة ظهور الصعوبات من خلال إقرار قانون «أدوات السيولة» لتسهيل إصدار أدوات الدين.