على مدى اسبوعين استمتعت بقراءة كتاب «بول كيندي» «نشوء وسقوط القوى العظمى» المترجم إلى العربية والذي تزيد صفحاته على 820 صفحة، ويلخص الكاتب فيه تاريخ العالم، وعلى الأخص اوروبا وشرق ووسط آسيا منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم، واكاد لا اصدق حجم الحروب والمنازعات التي حدثت في تلك الدول خلال خمسة قرون لا سيما اوروبا التي توحدت اليوم في كيان واحد، ومن الفوائد الكبيرة التي استقيتها من قراءة الكتاب:
اولا: ان تاريخنا ومشاكلنا بالرغم من حجمها الكبير لكنها لا تعني شيئا مقابل نزاعات الدول الاوروبية بعضها البعض وكذلك نزعاتها مع روسيا واليابان والصين، فما ان تنتهي حرب بين بلدين حتى تقوم بين بلدين اخريين كما تتبدل التحالفات ما بين عشية وضحاها، والكل يكره الآخر ويتحالف ضده، ثم انتقلت اوروبا إلى عصر التحالفات بين دول ضد الاخرى، ثم تحولت إلى حروب موسعة بين مجموعة كبيرة من الدول في الوقت نفسه سميت بالحروب العالمية الاولى والثانية.
ثانيا: كان ميزان القوة العسكرية والموقع الجغرافي حاسما في نتيجة تلك الحروب على الرغم من ان الشجاعة والتضحية لدى الشعوب كان لها دور - مثلما فعل اليابانيون في حربهم ضد الصين برجال الساموراي الشجعان - ولكن كانت خسائرهم البشرية عالية جدا، وقد خرجت الولايات المتحدة كأعظم قوة على وجه الأرض بفضل اقتصادها المتميز وغناها الفاحش وعدد سكانها وعزلتها عن العالم التي اعطتها حماية كبيرة، بل كانت خطة «مارشال» الاميركية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية هي من انقذ اوروبا من المجاعات والدمار.
ثالثا: اختفت امبراطوريات عظيمة وذابت بسبب الصراع ومنها امبراطورية النمسا - المجر وامبراطورية هابسبرغ وبلغ حجم الدمار مبلغا عظيما فقد قتل وجرح اكثر من 60 مليون انسان في الحرب العالمية الاولى نصفهم تقريبا من روسيا، بينما فقدت فرنسا اكثر من ثلاثة ملايين قتيل، اما في الحرب العالمية الثانية فقد فقدت روسيا 20 إلى 25 مليون نسمة قتيلا، اما الخسائر المادية فيعجز المرء عن وصفها فمئات الآلاف من البيوت هدمت والمزارع دمرت ونسفت السكك الحديدية وتم القضاء على المواشي والغابات وانهارت الصناعات، ناهيك عما احدثته القنابل النووية من دمار.
رابعا: ادرك العالم الغربي حجم الكارثة التي مني بها من جراء الحرب العالمية الاولى وعقد العزم على التوقف عن الحرب وأسس عصبة الامم لحل النزاعات، لكنه اخطأ في الامعان في اذلال المانيا، ذلك المارد الكبير الذي اعجز قوات التحالف الكبيرة (فرنسا وبريطانيا وروسيا وآخرين) ولم يتوقف إلا حينما تدخلت الولايات المتحدة بثقلها مع الحلفاء.
لقد كان للإذلال المبالغ فيه لألمانيا واجبارها على دفع التعويضات الكبيرة ان تسبب في نشوء الحركة النازية بقيادة هتلر الذي اقنع شعبه بأن العرق الألماني هو سيد الكون، فكانت الحرب العالمية الثانية.
وللحديث بقية بإذن الله
د. وائل الحساوي
[email protected]