أموال المتقاعدين و«الأيتام» ومستحقي الزكاة ومبادرين تبخّرت لعدم الفحص السليم وغياب الرقابة اللاحقة

مَن يتحمّل خطأ استثمارات الحكومة في شركات أفْلَست... وأخرى تعثّرت؟

تصغير
تكبير

- «الدار» و«ريم» أضاءتا على سياسة تقييم الجهات الحكومية لاستثماراتها وآلية إدارتها
- الخلل لا يتوقف عند تجاوز معايير الفحص النافي للجهالة إذ يشمل عدم التدخل المبكّر قبل فوات الأوان
- الاستثمارات الحكومية بالشركات المأزومة تستوجب التحقيق ما لم تكن أسبابها ونتائجها متعلّقة بموجة خسائر عامة
- الخطأ مجزّأ بين تقييم قرار الاستثمار وعدم استخدام عصا الملكية المؤثّرة بالجمعيات العمومية ومجالس الإدارة

عاد ملف هدر المال العام، إلى الواجهة مجدّداً في الأيام الماضية، لكن هذه المرة ليس من باب الاختلاسات، بل من خلال القرارات الاستثمارية الخاطئة التي دفع ثمنها جهات حكومية تضمّ متقاعدين وأيتاماً ومستحقي الزكاة ومبادرين صناعيين، أستُثمرت أموالهم في شركات أفلست، وفي أخرى مهدّدة بالمصير نفسه.

مناسبة هذا الحديث، تتعلق بآخر تطورات شركتي «دار الاستثمار» و«ريم العقارية» اللتين علا ذكرهما أخيراً، فإحداهما نشرت جريدة «الكويت اليوم» في عددها الصادر الأحد الماضي، تفاصيل مديونياتها المقدّمة لإدارة الإفلاس، ضمن إجراءات تصفيتها، والثانية متعثّرة لأسباب عدة، أهمها أن أحد مستثمريها مشهور دولياً بمشاريع عملاقة متعثّرة، فيما يتهمه مسؤولو الشركة الحاليون ومنهم ممثلون لجهات حكومية، بالنصب والاحتيال، لتفتح الشركتان معاً ملف «المال السائب يعلّم السرقة» ومن هنا، تبدأ القصة ولتكن البداية من داخل «الدار».

ورّطة المال العام

نشرت «الكويت اليوم» في عددها الأخير أن قيمة الديون الموقتة على «الدار» نحو 801.46 مليون دينار، وذلك وفقاً للقائمة التي أعدتها لجنة الأمناء على تفليسة الشركة، وبناءً على قرار قاضي الإفلاس الصادر 29 أكتوبر 2023.

وكان لافتاً أن من بين الديون التي ترى لجنة الأمناء قبولها والمقدرة بـ624.2 مليون دينار، 25 مليوناً عائدة لـ4 مؤسسات وهيئات عامة، هي بنك الكويت الصناعي (12.87 مليون)، وهيئة شؤون القصر (9.69 مليون)، وبيت الزكاة (1.623 مليون)، والمؤسسة العامة للتأمينات (767 ألفاً).

وأمام هذه المبالغ الكبيرة التي خرجت من الخزينة العامة وعلى الأرجح لن تعود إليها، يكون السؤال مشروعاً عمّن يتحمل مسؤولية فوضى القرارات الحكومية الخاطئة في تقييم الاستثمار بهذه الشركة وغيرها من الشركات المأزومة التي تبخّرت استثماراتها وموجوداتها، ومن ثم تورّط المال العام في شباكها الممزّقة؟

ويدفع السؤال السابق بآخر، يتعلق بما إذا كان القائمون على الجهات الحكومية تفحّصوا، وقتها، دفاتر هذه الشركات كما ينبغي استثمارياً وفنياً ومالياً والتزموا بالمعايير الاستثمارية والمحاسبية، وأعدوا دراسات مستفيضة حفّزتهم لضخ الأموال بهذه الشركات، أم كانت قراراتهم بدافع الترضية ودعم بعض الكيانات؟ أم كان المَنْح الاستثماري في بعض الجهات قاصراً، لجهة أنه تمّ من دون توافر المعايير الحمائية التي تقي من الوقوع في فخ الشركات التي هندست بياناتها المالية ونفخت قيمة استثماراتها في مرحلة ما قبل إنشاء هيئة أسواق المال، أي قبل نحو 14 عاماً؟

ضغوط وجودية

هذه الأسئلة وغيرها الكثير لا تقتصر على حالة «الدار» فقط إذ تتسع لتشمل جميع الشركات التي تُساهم فيها جهات حكومية، وكان يشغل عضوية مجالس إدارتها ممثلون حكوميون، وتواجه ضغوطاً وجودية، لتعكس تساهلاً في متابعة قرارات الاستثمار المتخذة حكومياً بشأنها، وضعف رقابتها وتباطؤ التدخل المسؤول في تصويب مسارها من خلال الجمعيات العمومية التي تعقدها، وعبر ممثليها في مجالس الإدارات إذا استدعى الأمر، مبكراً وقبل فوات الأوان وضياع حقوقها كما حدث في أكثر من شركة.

ولعل آخر هذه الشركات «ريم العقارية»، التي تزامن بروز اسمها مع «الدار» في التوقيت نفسه، بعد أن نشرت صحف أجنبية خبراً عن إفلاس رجل أعمال كويتي يواجه قضايا خارجية وداخلية منها اتهامات من مسؤولي «ريم» تتعلّق بالنصب والاحتيال واستغلاله المنصب في الشركة بمطالبات تقارب 12 مليون دينار ضُخّت في استثمارات ورقية علاوة على اتهامه ببيع أصول مدرة للدخل في الخارج والداخل بقيمة تقارب 20 مليون دينار.

وسبق أن قضت هيئة أسواق المال بتغريم 5 مسؤولين سابقين في «ريم» 7 ملايين دينار رداً للمنفعة التي حصلوا عليها بالقيمة نفسها من الشركة.

والخلاصة، أن هناك قاعدة رقابية أصيلة تؤكد أن من ﻴﺘﺤﻤّل ﻤﺴؤوﻟﻴﺔ اﺘﺨﺎذ اﻟﻘرارات اﻻﺴﺘﺜﻤﺎرﻴﺔ الخاطئة هم الأشخاص اﻟﻤﺘﺼﻟون ﺒﺎﻷﺼول اﻟﺨﺎﻀﻌﺔ ﻹدارﺘالمﻬم، أو المسؤولون عن اتخاذ قراراتها الاستثمارية والمعنيون بتقييم اﻠﺴﻴﺎﺳﺎت اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرﻳﺔ التي أضرّت بالمال العام بدءاً باتخاذ قرار الاستثمار مروراً بعدم متابعته كما يستحق رقابياً ووفقاً للمعايير وصولاً إلى خسارة قيمته.

وفي جميع الحالات يفترض أن يتحمل المسؤولون عن اتخاذ القرارات الحكومية الاستثمارية الفاشلة مسؤولية الضرر المتحقق من أن استثماراتهم لم تتماش مع معايير الحفاظ على المال العام، لا سيما إذا كان تضرّرها غير متعلّق بضغوط عامة مثل التي طرأت على جميع الأسواق محلياً وإقليمياً وعالمياً في العامين الماضيين، وتأثرت بسببها غالبية أسعار الأسهم المدرجة في جميع البورصات.

عناية ومتابعة أقل

فإذا كان الفحص النافي للجهالة للاستثمارات الخاطئة ليس بالمهمة السهلة حكومياً، إلا أن ذلك لا يمنع أن بعضها جاء من دون العناية الاستثمارية والمتابعة الرقابية المستحقتين، والأسوأ أنه تم التصرف في هذه الاستثمارات وإدارتها بطريقة خاطئة وفي غفلة من الجهات الحكومية المساهمة ودون تدخّل مسؤوليها لتصحيح المسار منذ البداية، رغم أنّهم يملكون حصصاً مؤثرة تشبه «عصا القوة» التي كانت تمكّنهم من سرعة التدخل والتوجيه سواء عبر الجمعيات العمومية أو في اجتماعات مجالس الإدارة.

وبذلك تندرج ممارساتهم في هذا الخصوص ضمن التصرفات الخاطئة لعدم مراعاتها أساسيات انتقاء الاستثمارات بالشركات والحفاظ عليها.

ديون «الدار» حسب أمناء التفليسة

تضمّنت قائمة الديون التي وافقت عليها لجنة أمناء التفليسة على شركة «الدار» 599.29 مليون دينار لـ45 دائناً منهم 96.36 مليون لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار، و51.82 مليون لـ«تي دي جلوبال صكوك 1 – جزر كايمان»، و47.48 مليون لـ«إتش أس بي سي بنك».

علاوة على 25.959 مليون لشركة الكويت والشرق الأوسط للاستثمار المالي، و19.294 مليون لـ «KIB»، و15.78 مليون لمجموعة عارف الاستثمارية، و14.29 مليون لشركة كامكو إنفست، و12.8 مليون لبنك برقان.

واستبعدت لجنة الأمناء مطالبات وديوناً لـ27 دائناً بقيمة 177.2 مليون، تضمّنت 29.02 مليون للبنك السعودي الأول، و10.24 مليون لبنك الإمارات دبي الوطني، و10.383 مليون لشركة سولس الترنتف اسيت مانجيمنت ال بي بصفتها وكيلاً عن شركة سولا ال تي دي، و10 ملايين لبنك قطر الإسلامي، و8.364 مليون لشركة نور للاستثمار المالي، و7.116 مليون لبنك المشرق، الشركة العربية للاستثمار بدينين الأول بقيمة 4.516 مليون والثاني بـ 1.537 مليون.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي