29 عاماً بعد الغزو... هل تتكرّر الدورة الثلاثينية؟

تصغير
تكبير

(كُتب هذا المقال بتاريخ 2 أغسطس عام 2019، عبر الوسائط الإلكترونية وأُعيد نشره للتذكير فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين).

لقد كتبت سابقاً عن الدورة الثلاثينية التي تمر بها الكويت منذ معاهدة الحماية البريطانية في عام 1899، مروراً بمطالبة الملك العراقي بالكويت عام 1932، والإرهاصات الداخلية والخارجية التي لحقت بذلك حتى عام 1938، ثم تحولت الكويت إلى دولة دستورية بعد استقلالها في عام 1961، انتهاءً بالغزو العراقي الغاشم في عام 1990.

في كل مرحلة تتشابه الظروف الداخلية والخارجية وينتج عنها وضع يحمل الكويت إلى مرحلة جديدة من شبكة مختلفة في الوضع السياسي خارجياً وداخلياً. وفي نهاية عام 1988، وبداية عام 1989، أتذكر حواراً مهما دار بيني وبين أحد رجالات الكويت، رحمه الله، الذي استشهد ابان الغزو، وقد ذكرت له أننا نقع في بؤرة تهديد عراقي يمكن أن ينتهي بسيناريو غزو العراق للكويت! وحينها لم يستهو هذا التحليل ذلك الرجل، ما جعله يسألني عما إذا كان لديّ معلومات أم أنه مجرد تحليل؟ فقلت له إنني لا أملك المعلومات وإنما ما قادني إلى ذلك التفكير هو قراءة تحليلية قوامها الوضع السياسي الداخلي الذي أنتج ما اصطلح عليه بدواوين الإثنين، إلى جانب الاختلال في توازن القوى الإقليمي المشهود حينها الذي يهدد استقرار الكويت ما يتطلب موقفاً محايداً في خضم إرهاصات نهاية الحرب الإيرانية - العراقية، وخروج العراق منها مثخناً بالديون والمشاكل الاقتصادية، وفي الوقت ذاته امتلاكه لترسانة عسكرية ضخمة لا يستطيع صرفها إلّا بتهديد جيرانه لتعويض ما استهلكته منه الحرب، عوضاً عن التحالف العربي الذي عرف باسم مجلس التعاون العربي والذي جمع كلاً من العراق ومصر واليمن والأردن.

فهذا التحالف يجمع دولاً تحيط جغرافياً بدول الخليج وتمتلك قدرات عسكرية وبشرية ضخمة وجميعها يعاني من مشاكل اقتصادية، فكانت بمثابة الدول القوية والجائعة التي تحيط بدول غنية ضعيفة، وهو ما يقودها للتفكير في الاستحواذ على هذه الدول، على الرغم من اختلاف أنظمتها السياسية وقرابتها من دول الخليج. وهو بالفعل ما حصل بعد الغزو إذ تبين انحياز اليمن والأردن للعراق بينما خرجت مصر من تلك الإستراتيجية لاعتبارات سياسية أوسع وأعمق.

وعلى أي حال وقع الغزو الغاشم وقد صدقت توقعاتي بذلك، وإنما لم تصدق في سلوك مجلس التعاون الذي لم يكن بمقدوره الاستمرار لخروج أقوى ثقل منه وهو مصر.

بعد ثلاثين عاماً من الغزو ستكون سنة 2020 التي وصفتها السفيرة الأميركية السابقة بأنها سنة حرجة على الكويت! وليس بالضرورة أن تكون سنة 2020 سنة حرجة تحديداً وإنما قد تكون في حيزها الزمني أي بين 2020 إلى 2025، وقد تكورت حولنا وفي ما بيننا ظروف داخلية وخارجية مشهودة لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند مسح المشهد الإستراتيجي للمنطقة الذي سينعكس على الكويت. فالكويت اليوم تشهد ظروفاً داخلية اقتصادية واجتماعية وسياسية متعرجة، فالوضع الاقتصادي منحدر والمؤشرات التنموية تشير إلى ذلك بصراحة، والوضع الاجتماعي تجتاحه جملة من المعطيات التي تحتاج إلى تمعن خصوصاً في ما يتعلق بتنامي الشعور الطائفي والفئوي، والوضع السياسي أيضاً غير ساكن في ظل تصاعد عدم الثقة وتصدعات برلمانية حكومية وشعبوية معروفة واللبيب يفهم بالإشارة.

أما خارجياً فهو مختل على المستويين الدولي والإقليمي حيث يسود التوتر بالمنطقة بحيث لا يمكن أن تغيب ألوانه الداكنة ومشاهده الساخنة إلّا عن الذي فقد بصره وبصيرته. كل تلك الظروف تساهم في رسم سيناريو ثلاثيني قادم بشكل معين بحيث سيؤثر على استقرار الكويت وسلامتها، ولا يمكن أن يحفظها إلّا بتحقيق معادلة توازنية داخلياً وخارجياً، وهي تتطلب تنازلات واحتياطات، وحذراً شديداً من خلال قراءة فاحصة للأحداث بعيدة عن العواطف، والأيديولوجيات المهجنة بحق الحب والبغض، كي يتم تجاوزها كما تمت ذلك في السابق.

نسأل الله العلي القدير أن يحفظ سمو الأمير الذي بمهارته وخبرته قد عاصر دورتين ثلاثينيتين وهو بإذن الله قادر أن يقود الكويت للخروج بأمان في ما ينتظرنا في الدورة الثلاثينية القادمة.

***...وبعد سنوات

رحل الأمير صباح الأحمد، طيّب الله ثراه، في عام ونصف العام 2020، ثم رحل بعده الأمير نواف الأحمد، رحمه الله، ويتولى الحكم اليوم الشيخ مشعل الأحمد، أطال الله في عمره، ولا تزال الكويت تكابد التحديات وهي دون شك بحاجة إلى تعاضد شعبها وحِكمة حكامها لكي تنتصر وتستمر حرّة أبيّة.

وأقول قولي هذا مذكّراً وفي الوقت ذاته، آملاً بألا تصدق التوقعات، وليحفظ الله الكويت أميراً وشعباً من كل مكروه.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي