No Script

قيم ومبادئ

مَن سأل ما ضاع!

تصغير
تكبير

ثالوث الفلسفة الأكبر يجمع الأقطاب سقراط وأفلاطون وأرسطو، ثم اشتهر بعد ذلك فيثاغورس، الصوفي، وزينون، صاحب المدرسة – الرواقية – التي تقول (إنّ الظروف السيئة التي نمر بها لا ينبغي أن توقعنا في أفكار سيئة قد تدمّرنا وتعجّل هلاكنا)، وكل هؤلاء – حكماء زمانهم - المعبرين عن روح العصر الذي عاشوا فيه قد أُصيبوا بمصاب لا يدل على استفادتهم من هذا الموروث الفلسفي! الذي أفنوا أعمارهم فيه؟

أما زينون، الصوفي، الذي رفض جنسية أثينا التي عاش فيها إلى أن قتل نفسه وهو يزعم أن الآلة طلبت منه ذلك؟ أما سقراط فقد حكمت عليه المحكمة بالموت! وأفلاطون بِيع في سوق العبيد! وارسطو هرب من أثينا بعدما رماه كاهن بالإلحاد!

هكذا شأن الإنسان مهما علت رتبته الفكرية ولكنه استقلّ بعقله عن هداية الرُسُل!

ونقارن بين هذه الأحوال التي عرضت لأكبر فلاسفة اليونان وبين أحوال الفلاسفة من المسلمين المشتغلين بالفلسفة اليونانية وكيف انتهى بهم قطار العمر إلى الشك وعدم اليقين!

فهذا أبو حامد الغزالي، ولد بطوس سنة 450 هجرية، واشتغل بالفلسفة ثم رجع عنها ودخل في علم الكلام ثم رجع عنه حتى لُقّن بـ(حجة الإسلام) ثم سلك مسلك الباطنية واخوان الصفا، ثم سلك مسلك التصوف، فهذه أربعة أطوار مرّ بها إلى أن رجع إلى فهم السلف الصالح حيث قال (تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً)، وقال الرازي، الفيلسوف:

نهاية إقدام العقول عِقالُ

ونهايةُ سعي العالمين ضلالُ

ولم نستفدْ من بحثنا طول عمرنا

سوى أن جمعنا فيه قِيل وقالوا!

وقال أبو المعالي الجويني (يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به). أما الإسلام فقد حدد مجال العقل ونطاقه ونهاه عن الخوف بما لا طائل من ورائه مما لا يتحمله العقل ولهذا جاء النهي عن قيل وقال وكثرة السؤال، وقال الشافعي، رحمه الله (حكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريدة والنعال ويُطاف بهم في القبائل والعشائر)، ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام.

وتذكر كتب التاريخ أن المأمون، حينما فتح إحدى الجُزر اليونانية طلب كُتب أفلاطون وأرسطو وغيرهما فامتنع الكهان من إعطائه وأصرّ المأمون، على ذلك فاجتمعوا بالكنيسة وأشار عليهم الحَبرُ الأعظم فقال: -

(أرسلوها لهم فواللهِ ما دخلت – يعني كُتب الفلسفة – على أهل مِلّةٍ إلّا زلزلت أركانها)!

وصدق رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، حين قال (ما ضلّ قوم بعد هُدى كانوا عليه إلّا اوتوا الجدل) اتركوا الجدل والسفسطة وأهل الكلام، واحمدوا الله على نعمة الأمن والأمان، وقوموا بما أمركم الله، فبالشكر تدوم النعم، وارضوا بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً، واسألوا أهل الذِّكر إن كنتم لا تعلمون، ومَن سأل ما ضاع.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي