No Script

مجرد رأي

الميزانية والهوية الاقتصادية...

تصغير
تكبير

بمجرد أن أعلنت وزارة المالية عن موازنة 2025/2024 تلقفها المهتمون بالشأن العام وأهل الذّكر المالي مصطحبين معهم جميع تقنيات المحاسبة الحديثة والافتراضية وفقاً للخطط الحكومية المعلنة جمعاً وضرباً وقسمةً وطرحاً.

لكن، بمجرد قراءة أولية للأرقام اتضح لهم أنه يصعب عليهم تنموياً ربط أرقام هذه الموازنة بحديث الحكومة الطموح، والمتعلق بتعزيز الهوية الاقتصادية الجديدة التي أعلنت عنها، خصوصاً في ما يتعلق ببند الإنفاق الرأسمالي الذي جاء ضئيلاً ومخفضاً مقارنة بالعام الحالي بنحو 8 %، ما يعاكس بوضوح محركات السير المفترضة نحو التنمية الملحة والتي تحتاج لتوسع استثماري وليس تقليصاً.

فحسب إعلان موازنة 2025/2024، يبلغ إجمالي المصروفات نحو 24.555 مليار دينار، تشكّل منها المصروفات الرأسمالية نحو 2.29 مليار، تعادل 9.3 % فقط، وهي نسبة لا تتماشى بأي لغة محاسبية مع المستهدف تنموياً لدولة مثل الكويت تحتاج لنهضة تنموية مستدامة على الأصعدة كافة. ورغم ذلك، لا يصح القول إن جميع أرقام الموازنة مخيبة للآمال، فبعضها يعكس جدية مبدئية في مواجهة انفلات المصاريف ولجمها من خلال خفض المصروفات عن السنة الجارية.

لكن من الواضح أن التحفظ في الصرف اتسع ليشمل نافذة الضوء المستحق توسعتها لاتصالها المباشر بمستقبل التنمية في البلاد، كما أن المصروفات لا تزال تعكس ثبات الخلل الهيكلي المتجذر في الميزانية العامة، وهو الاعتماد على النفط بشكل رئيسي إذ تقدر الإيرادات النفطية عند 16.23 مليار دينار، من أصل بنحو 18.662 مليار.

علاوة على ذلك، لا يزال بندا الدعومات والرواتب يشكّلان أم المشاكل المالية ليس لالتهامهما 79.4 % من إجمالي المصروفات فحسب بل لما يعكسانه أيضاً من منهجية حكومية غير متغيرة لجهة الاعتماد على نفسها في التوظيف ومواجهة سوق العمل الذي يتضخم سنوياً بالعاطلين من خريجي الجامعات والشهادات المختلفة.

فهذه الأرقام تعرقل باختصار جهود التوطين للوظائف في القطاع الخاص الذي سيصعب عليه المشاركة الفاعلة في جذب المواطنين وظيفياً ما لم يتح له فرص عمل لنفسه، كي تولد تغطية المستويات المطلوبة منه وظيفياً، أخذاً بالاعتبار أنه وفقاً للتوقعات الرسمية يقدر أعداد القادمين لسوق العمل من المواطنين الخريجين بنحو 100 ألف مواطن بمعدل يقارب 24 ألف خريج جديد كل سنة.

وعند ربط الميزانية بهذه الإعداد يبرز التناقض، حيث السؤال عن كيفية استيعابهم ما لم يكن هناك قطاع خاص قادر على النمو الذي يعول عليه في تحقيق المشاركة المستدامة بالقيام بهذه المسؤولية الوطنية.

الخلاصة:

عملياً، لا ينبغي التسرع في قراءة المستقبل القريب فإشارات الطريق الحكومي لم تتضح جميعها، وحتى يحدث ذلك ينبغي عدم تغافل أهمية رفع منسوب الإنفاق الاستثماري وبمعدلات قادرة على امتصاص تباطؤ النمو الاقتصادي الحكومي، وأيضاً لدى القطاع الخاص المسجل في العام الماضي وسط توقعات غير متفائلة اقتصادياً بالعام 2024 عالمياً ومحلياً، وإذا تحقق ذلك من دون دفع استثماري كبير فلن تستطيع الحكومة التقدم تنموياً كما تخطط على الورق.

وما يزيد من أهمية الإسراع في زيادة الإنفاق الاستثماري ومعالجة الخلل الهيكلي في الموازنة بتخفيف الاعتماد على النفط كمصدر شبه وحيد للدخل من خلال تنويع الدخل العام أن المستقبل ليس واعداً لسوق النفط، خصوصاً في ظل تخفيض حصة إنتاج الكويت وفقاً لاتفاق منظمة أوبك بمعدل 135 ألف برميل يومياً.

كما أن سوق النفط يحكمه اختلال في قوى التفاوض بسبب التطورات الجيوسياسة، وبمجرد توقف الحرب على أوكرانيا وعلى غزة، من غير المستبعد أن تنخفض الأسعار وبالتالي يكون الدخل العام عرضة للتأثر سلباً في كم الإنتاج وقيمته ووقتها ستتفاقم المشكلة مالياً حيث لن تتوقف حدود فجوة العجز عند 5.89 مليار دينار كما هو مقدر.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي