إقرار نظام النسبية في الانتخابات البلدية

لبنان: إنجاز مفاجئ لحكومة الحريري يؤشر إلى دور «تسهيلي» لحلفاء سورية

تصغير
تكبير
|بيروت - «الراي»|

عكس اقرار مجلس الوزراء اللبناني على نحو مفاجئ اعتماد نظام النسبية في قانون الانتخابات البلدية والاختيارية بداية مسار مختلف في عمل الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري بعد اكثر من ثلاثة اشهر على تأليفها.

وقد جاءت هذه الخطوة بطابعها المفاجئ والمعاكس للتوقعات التي سبقتها لتشكل ايحاءات يأمل اصحابها بان تكون ذات صدقية خصوصاً لجهة اقلاع الحكومة في عدد من الانجازات الداخلية التي طال انتظارها والتي حالت ظروف مختلفة دون حصولها حتى الآن.

وقالت اوساط واسعة الاطلاع في هذا المجال لـ «الراي» ان اي جزم نهائي من الآن بحتمية اجراء الانتخابات البلدية في موعدها (يونيو المقبل) قد لا يأتي في محله لان هناك خطوات اضافية لا بد من انتظارها قبل بت الاتجاه الحاسم ومن ابرزها اقرار التعديلات على قانون الانتخابات التي ستحيلها الحكومة على مجلس النواب في جلسة تعقد في 27 فبراير الجاري، وتالياً معرفة ما اذا كانت التعديلات ستمر كاملة او مجتزأة او معدلة في مجلس النواب ومن بينها مسألة النسبية.

ولكن الاوساط تلفت الى ان ذلك يجب ألا يحجب نقطة مهمة برزت مع التوافق على اعتماد النسبية، وهي ان هناك اتجاهاً واضحاً سيتبلور تباعاً على تسهيل عمل الحكومة والدفع نحو مزيد من الاجراءات والخطوات التنفيذية سواء في مسائل سياسية كالانتخابات البلدية ام في قضايا ادارية وملفات اقتصادية واجتماعية.

وتعتبر هذه الاوساط ان هناك خلفية سياسية وراء هذا المنحى التسهيلي يرجح ان تكون السبب الرئيسي في امكان رؤية مزيد من الخطوات والانجازات الحكومية، وهي خلفية تستند الى بداية استجابة لدى حلفاء دمشق لضرورات اقلاع الحكومة بانجازات معينة. ويمكن في رأي هذه الاوساط استقراء هذا المنحى بالاستناد الى تطورين: اولهما داخلي ويتعلق بالارتياح الذي قوبل به خطاب رئيس الحكومة في ذكرى 14 فبراير لدى حلفاء سورية، وثانيهما دولي اقليمي ويتصل بالتطور الايجابي في العلاقة الاميركية السورية مع تعيين سفير اميركي في دمشق وزيارة وليم بيرنز لكل من بيروت ودمشق في الايام الاخيرة. ومع انه قد يكون من التسرع الركون الى هذين العاملين قبل رصد مزيد من الوقت، فان الاوساط نفسها لا ترى امكان عزل بعض ملامح الحلحلة الداخلية عنهما خصوصاً اذا صحت التقديرات الاخرى المتعلقة بامكان صدور تعيينات في بعض المواقع الملحة كلجنة الرقابة على المصارف بعد طول تعقيد وعرقلة لها من جانب اطراف المعارضة.

وتأمل هذه الاوساط ان تشكل الاسابيع المقبلة اختباراً ايجابياً لهذه المرومة، سواء كان دافعها سورياً او داخلياً لان طول الوقت الذي صرفته الحكومة حتى الآن من دون تحقيق انجازات مهمة لا تعوضه الجولات الخارجية لكل من رئيسي الجمهورية والحكومة على اهمية هذه الجولات. فالوضع الداخلي يحتاج الى انجازات فعلية، كما ان الحكومة تحتاج الى رافعة لصدقيتها وزخمها، وهذان الصدقية والزخم مهددين بالانفراط سريعاً تحت وطأة العرقلة الضمنية للقرارات.

وتختم هذه الاوساط بان هناك فاتحة موصية بالتفاؤل لكنها تقتضي الرصد الدقيق والمتابعة الحذرة للحكم على استمرارها ومدى تطابقها والمصالح اللبناني في النهاية.

وكان مجلس الوزراء أقرّ «بالتوافق» اعتماد النسبية في قانون «البلديات» في كل لبنان وفق الآليات الآتية: اعتماد اللائحة المكتملة، على ان تُعتبر اللائحة التي تضمّ 75 في المئة من أعضاء البلديّة مكتملة، وان تُمثّل اللائحة التي تحصل على 10 بالمئة من الأصوات، وان الرئيس ونائبه يكونان أول اسمين على اللائحة، وعدم اعتماد الصوت التفضيلي، ورفع نسبة اللائحة الأولى الى 51 بالمئة تلقائياً من أجل استقرار أداء المجلس البلدي.

وستخصص جلسة السبت 27 فبراير لمناقشة نص الآلية التنفيذية لاعتماد النسبية التي كلف وزير الداخلية اعدادها، ومراجعة النص النهائي لمجمل التعديلات المقرة على القانون، علماً ان اقرار النسبية أسقط ما كان يُقترح لا سيما من فريق العماد ميشال عون لحهة تقسيم بيروت دوائر، كما أسقط الاقتراع المباشر للرئيس ونائب الرئيس.

وجاء التوافق «المباغت» على النسبية بعد اتصالات بعيدة عن الاضواء جرت في الاسبوع الفاصل بين الجلسة الرابعة لمجلس الوزراء التي خصصت لاستكمال مناقشة ملف التعديلات على قانون الانتخابات والجلسة الخامسة التي انعقدت اول من امس مهّدت الطريق لامرار هذا البند الاصلاحي الذي اعتُبر «تاريخياً». واضطلع بدور رئيسي في هذه الاتصالات كل من رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والوزراء سعد الحريري الذي كان اعرب في الجلسة ما قبل الاخيرة عن اقتناعه بجدوى تطبيق مبدأ النسبية في كل لبنان وضرورته، قبل ان يعلن في مستهل مناقشات اول من امس «اننا بعد مراجعة موضوع النسبية بتنا مقتنعين بأهمية اعتمادها في كل المناطق اللبنانية».

وبدا رئيس الجمهورية امس مرتاحاً الى اقرار الاصلاحات في قانون الانتخابات البلدية ولا سيما اعتماد النسبية، معتبرا انها «خطوة تأسيسية تصلح كذلك في قانون الانتخابات النيابية»، ومبديا أمله في «ان تتوج هذه الاصلاحات في القريب العاجل باقرارها في مجلس النواب».

ولفت سليمان امام زواره الى «ان ما حصل الاربعاء يشكل خطوة في مسيرة الالف ميل الاصلاحية ونهجًا نوعيًا يقتضي متابعته بعزم ومن دون ملل للبدء بالاصلاح ووضع آلية للتعيينات الادارية التي هي الملف الملح في اطلاق هذه الورشة».

وفي السياق نفسه رأى وزير الدولة جان أوغاسبيان (من فريق الرئيس الحريري) ان «القانون النسبي هو أكثر تطوراً ويسمح للأقليات في المناطق أي أقليات القوى السياسية بان توصل بعض الأعضاء الى المجالس البلدية»، الا انه قال: «طبعًا نحن نهتمّ في بيروت بالمحافظة على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وانا شخصيا ضد النسبية لكن في النتيجة انا انتمي الى تيار سياسي والتزم بقراراته»، مضيفًا «لقد تمّ التوافق لان الطبخة طُبخت خارج مجلس الوزراء». وشدد على ان «اجراء الانتخابات البلدية في موعدها حق للمواطن ويؤثر ايجاباً على الدولة».

ولفت وزير الطاقة والمياه جبران باسيل (من فريق العماد عون) الى ان «موضوعي النسبية وتقسيم بيروت هما موضوعان منفصلان بالمطلق»، مشيرا الى ان «ما تحقق من اقرار قانون النسبية هو شيء نوعي وتجربة ستكون جديدة، ولنجربها في الانتخابات البلدية لنرى مدى نجاحها في النظام السياسي اللبناني». واشار الى ان «قانون النسبية يحقق تمثيل أفضل للمكونات في كل المناطق ويسمح بتمثيل الاقليات»، لافتاً الى ان «قانون النسبية يمكن من تحقيق التنوع ومن تحقيق تمثيل أفضل لمختلف فئات المجتمع ولكن مع ضوابط معينة»، معتبراً ان «هذا القانون حقق الجزء الاول من صحة التمثيل في كل البلديات خصوصاً في بلدية بيروت».

ووصف رئيس الهيئة التتفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع اقرار الاصلاحات على قانون الانتخابات البلدية بانها خطوة «في الاتجاه الصحيح»، مؤكداً ان «الفضل الكبير في هذه الاصلاحات يعود لرئيسي الجمهورية والحكومة».

واذ استغرب «تأجيل الجلسة النهائية لاقرار القانون واحالته على البرلمان الى الـ27 من الشهر الجاري»، نفى المعلومات عن وجود اتفاق بين خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد من أجل تأجيل الانتخابات البلدية في لبنان.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي