No Script

قيم ومبادئ

مَن سيحكمنا؟

تصغير
تكبير

إذا قرأنا صفحات تاريخنا الطويل، نجد أنه طالما اشتعلت حروب بين طائفتين، مسلمين ونصارى، وربما التقت الجيوش ودارت رحى المعارك، ورفاق المسلمين والنصارى يتزاورون ويتاجرون في ما بينهم من دون اعتراض!

وفي وقت قريب لما خرج القائد المظفر صلاح الدين سنة 1187م بجميع عساكر المسلمين لمنازلة حصن الكرك في معركة حطين، وهو من أعظم حصون النصارى، ويقع مباشرة بطريق الحجاز في (رحلة الشتاء والصيف) وبينه وبين القدس مسيرة يوم وليلة ويعتبر حوزة أرض فلسطين وله منظر مهيب في إطلالته على سفح جبل، وله بناء متصل بقرى عدة إلى داخل فلسطين، فحاصره صلاح الدين وضيّق عليه وطال حصاره...

ومع ذلك كله مازالت القوافل تسير من مصر إلى دمشق ومن دمشق إلى عكا وبالعكس، والحجاز إلى الشام وإلى اليمن ذهاباً وعودة بحركة تجارية آمنة وسلسة، وكذلك تجار النصارى واليهود لا يُمنع أحدهم ولا يُعترض طريقه، وللنصارى على المسلمين مَكْس يؤدونه في بلادهم وهذا من الأمن.

وكذلك تجار النصارى أيضا يؤدون الضريبة في بلاد المسلمين على سلعهم كما تم الاتفاق بينهم على الاعتدال في جميع الأحوال...

وأهل الحرب منشغلون بحربهم والناس في عافية والدنيا لمن غلب وعامة الناس يسعون وراء أرزاقهم وقوت يومهم كـ «خلية النحل»، كما يُقال، وهذه سيرة أهل الاسلام وهي سُنّة الحياة في عوام الناس لا يهمهم مَن حكم بقدر ما يهمهم تأمين سُبُل العيش الكريم بل حتى الفتنة الواقعة بين أمراء المسلمين وملوكهم كذلك فلا تعترض الرعايا ولا التجار لأن هاجسهم الأكبر الذي لا يفارقهم في جميع الأحوال هو الأمن سواء في حال الاتفاق أو الاختلاف.

والسبب في ذلك والمرجع كله بفضل الله أولاً ثم للوعي في فهم معنى - دور الدولة - على معناه الصحيح فانعكس أثره النافع في العلاقات السلمية والحربية بين الحكومات والأفراد والجماعات فلم يحدث قط في عالمنا العربي - مثلاً - أن دولة حاربت أخرى للمطالبة بحصة أميرها في العرش! أو للخلاف في ميراث الأصهار وتركات القصر الملكي!

ولأن الحضارة العربية السليمة رفعت معنى الدولة من مرتبة الحطام الذي يورث أو ينتقل بالنّسب والمصاهرة إلى المرتبة الإنسانية التي ارتقت إليها الحضارة الحديثة وهي قيام الدولة على علاقة حرة بين الراعي المسؤول والرعية فلا جرم أن يُقال بحق إن الحضارة العربية الإسلامية سبقت أوروبا الصليبية زمناً طويلاً في مجال التربية الدولية، فوضع الشيباني كتابه «السير الكبير» عام 189 هجرية وهو من أهم الكتب في فقه العلاقات التي سلكت المنهج الواضح الذي يؤدي إلى انتظام المعاملات العالمية على الوجهة الصحيحة في الحفاظ على الاستقرار الدولي في مقابل فشل الدول الكبرى اليوم ومؤسساتها الأممية في وقف «جرائم الحرب»، التي وقعت في البوسنة والهرسك، وضد قبائل الهوتو في أفريقيا، وميانمار، وما يحدث في غزة الآن!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي