اتجاهات

«طوفان الأقصى» ومستقبل اليمين الإسرائيلي

تصغير
تكبير

في ضوء المأزق الشديد الذي تواجهه حكومة بنيامين نتنياهو، في أعقاب هزيمة «طوفان الأقصى»، التي أنهت عملياً المستقبل السياسي لأطول حكام إسرائيل وأبرز رموز التشدد، أصبح مستقبل اليمين وتأثيره الواسع سياسياً ومجتمعياً، محل تكهنات واسعة.

يسيطر اليمين في إسرائيل منذ التسعينيات، ومن المفارقات أن سيطرته طول هذه الفترة الطويلة كانت نتاج صراعات إسرائيل الممتدة مع حركات المقاومة الداخلية أو الخارجية.

ويعني ذلك، أن القوة الدافعة لسيطرة اليمين قد تمحورت حول تزايد النزعة اليمينة الداخلية، وإعلاء الرأي العام لقضية الأمن على كل القضايا، والنجاح المبهر لليمين في إقناع الداخل بأن وجود وأمن ورفاهية إسرائيل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بوجود سياسات شديدة التشدد تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي.

هز «طوفان الأقصى»، تلك القوة الدافعة لليمين بشكل عنيف، وتحديداً هز مصداقية اليمين في ضمان وجود إسرائيل واستقرارها. إذ على خلاف كل الصراعات التي دخلتها إسرائيل مع حركات المقاومة والتي كانت تصب في خانة دعم اليمين بما في ذلك حروب غزة الأربع منذ 2008؛ تُمثل «طوفان الأقصى» أسوأ هزيمة كارثية لإسرائيل في تاريخها. إذ كشفت مدى هشاشة الخطط الأمنية والاستخباراتية، وزيف أساطير اليمين المتعلقة باستحالة هزيمة إسرائيل - ولاسيما أن الهزيمة جاءت من حركة مقاومة محدودة القدرات العسكرية محصورة في قطاع مُحاصر.

وبناء على ذلك، فقد أنهى هجوم «طوفان الأقصى» الوقود الارتباطي الذي يتغذى عليه اليمين والمتلخص في سياسات متشددة مقابل وجود وأمن إسرائيل. وهو ما يعني أيضاً، تواري اليمين عن المشهد السياسي الداخلي لفترة قد تدوم على أقل تقدير لعقد من الزمن.

وهذا لا يعني تخافت أو تواري النزعة اليمينة داخل المجتمع، لكن ستظل موجودة في ظل حكومات وسط أو يسار، وسيكون لها تأثير بلا شك على تلك الحكومات لكن في بعض الجوانب والقضايا وبصورة عقلانية.

بعبارة أخرى أكثر اختصاراً، تبني الحكومات القادمة في إسرائيل، سياسات يمينية أقل راديكالية أو أكثر اتزاناً لاسيما على مستوى القضية الفلسطينية.

في واقع الأمر، هناك متغيران رئيسيان يدعمان تلك المقاربة. الأول، التغير الكبير في التركيبة الاجتماعية والسياسية في الداخل. وإن كان لا يزال المجتمع يميل في أغلبه نحو اليمين، أو «يميني النزعة».

ومع ذلك، فخلال العقدين الماضيين ونتيجة لموجات الهجرة إلى إسرائيل، تحوّلت التركيبة الاجتماعية، حيث أصبحت هناك فئة شبابية واسعة من جنسيات مختلفة لا تحبذ النزعة الدينية المتشددة وسلطة الكهنوت، وبعضها علماني. كما توسع التيار المؤيد لليسار والوسط.

وبحسب تقارير إسرائيلية، مثلت تلك الفئة الجديدة في المجتمع قوام التظاهرات ضد حكومة نتنياهو التي دامت 9 أشهر على خلفية قانون السلطة القضائية.

والمتغير الثاني، هو تورط الولايات المتحدة بكل ثقلها لدعم إسرائيل في حرب غزة. وربما لا يعلم الكثيرون أن واشنطن كانت غير مستساغة كثيراً لسيطرة اليمين على حكومة نتنياهو الأخيرة، ووجه بعض مسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن انتقادات لحكومة نتنياهو ولاسيما في مسألة التوسع في الاستيطان وقانون السلطة القضائية.

وبحسب مقربين من دوائر صنع القرار في واشنطن، ستؤثر عملية «طوفان الأقصى» على مستقبل العلاقات الإسرائيلية - الأميركية، حيث ستعيد صياغة هذه العلاقات على نحو يجعل الولايات المتحدة تتدخل بشكل أكثر لمنع هيمنة اليمين على السلطة. إذ ان استمرار هيمنته سيمثل كارثة لواشنطن الملتزمة لأسباب عديدة راسخة بحماية إسرائيل، وسيتوجب ذلك استمرار التركيز الأميركي في المنطقة بعد تراجع جزئي للتركيز على الصين وروسيا، وهو ما ترفضه واشنطن بشدة.

ناهيك عن ذلك، أن استمرار هيمنة اليمين، سيعرقل خطط واشنطن لحقبة ما بعد غزة، والقائمة على ضرورة العودة على التركيز على القضية الفلسطينية في إطار «حل الدولتين» المرفوض بشكل قاطع من اليمين.

نافلة القول، قضت «طوفان الأقصى» على مستقبل اليمين الإسرائيلي على الأقل في المدى القصير والمنظور. لكنها بالقطع لن تنهي النزعة اليمينية للمجتمع، وإن كانت تتقلص بوتيرة بطيئة نتاج تغير التركيبة الداخلية.

ومحصلة ذلك، في تقديرنا، عودة لسياسات إسرائيل القديمة بضغوط أميركا الرامية إلى تحقيق استقرار بخصوص ملف الصراع وليس حله، والرهان على عامل الزمن لإنهاء القضية عبر المناورة بملفات أخرى كملف التطبيع. فالأفكار والسياسات اليمينية المتشددة، ما هي إلا انعكاس لكيان ووجود إسرائيل بحد ذاته.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي