No Script

قيم ومبادئ

حقٌّ أُريد به باطل!

تصغير
تكبير

كثير من الناس تعوّدوا أن يُعطّلوا عقولهم عند الحُكم على الكلام الذي يتلقونه بمسامعهم فهم لا يزنون الكلام بميزان العدل والعلم والخبرة الصحيحة... فتجدهم يهملون حقائق الأقوال ويغترون بمظاهر القائلين!

فإن كان المتحدث غنياً أو وجيهاً أو صاحب حزب إسلامي سياسي فكلامه مقبول وصادق... وإن لم يكن كذلك فصدقه كذب وإخلاصه مشكوك فيه وحكمته سفاهة، ولهذا جاء في أمثال العرب «انظر إلى ما قيل لا إلى مَن قال»، وهي لفتة كريمة ورشيدة إذا كان الغرض منها ألا ننخدع بزخارف الأقوال وقوالب المتكلمين ولا نجعل اهتمامنا كله مقصوراً على مظاهر القائلين.

فضلاً عن أن تمحيص الكلام لا يُغيّر من تمحيص المتكلم في غالب الأحيان، وعليه نجد هناك اهتماماً خاصاً بتراجم العظماء والقادة والحكماء ليعرفوا موضع الثقة ويتبيّنوا الفرق بين المخلصين وغير المخلصين في مزاعم الإصلاح ومكافحة الفساد، حيث إن الكلمة تختلف معانيها باختلاف قائليها، فمثلاً إذا قال أحد الصحابة الكرام، رضي الله عنهم، «لا حكم إلّا لله»، وقال أحد الخوارج «لا حكم إلّا لله» عرفنا الفرق الكبير بين الأول الذي واقع حاله وحياته وسيرته كلها في العبودية لله... وواقع الخوارج الذين طالبوا بالشريعة وشعار «الإسلام هو الحل»، لكن واقعهم لا ينهض لتأييد هذه الدعوى وكما جاء في المثل (والدعاوى إن لم تقيموا عليها بيّناتٍ فأبناؤها أدعياءُ)... ونحن نجد ونُفرّق بين الكثير من دعاة الإصلاح خاصة إذا عرفنا كيف كانوا يطبقون كلامهم على أنفسهم وأهليهم ونتبين الفرق بين الجدير منهم بالثقة والجدير منهم بالشك والريبة... إذا عرفنا أمانتهم في تطبيق المذهب الذي يدعون الناس إليه وحقيقة الشعارات التي لجّوا بها في الساحات العامة.

ولهذا لما قتل الخوارج عثمان بن عفان، رضي الله عنه، في داره قال قائلهم (عليكم ببيت المال لا تُسبقوا إليه؟) فانقلب الشعار من «لا حكم إلا لله» إلى شعار «لا حكم إلا للمال»!

كارل ماركس، زعيم الشيوعية في زمانه إذا رجعنا إلى مسيرته في حياته فماذا نرى من دلائل الأمانة في تطبيق هذا المبدأ «من لا يعمل لا يأكل»، وبهذا المبدأ أراد في دعواه ان يُبطل استغلال العاطلين للعاملين وهو أراد أن يكون قدوة للمقتدين!

خلاصة الحقائق المستمدة من حياته أن الناس جميعاً لو جروا على طريقته لماتوا جوعاً... وأنه لو عاش بما كسبه من عمله لما عاش أكثر من 12 شهراً؟ فقد عاش بقية عمره عالةً على أمه وإخوته فاضطرت أمه أن تكتب إليه ومعها أخته صوفيا فأنذرتاه ألا يعيش (طفيلياً أبدياً) وتوعداه بقطع المعونة إن لم يبحث له عن عمل!

ويعتبر كتاب «رأس المال»، إنجيل الشيوعية المقدس عند اتباعها وكان من المعقول أن يتفرغ نبي الشيوعية لاستكمال كتابه الذي قامت عليه دعوته ولكن صاحبنا - تنبل مثل تنابلة السلطان - لم يكن يقترب من صفحات إنجيله إلا تحت ضغوط شديدة من أصدقائه... حتى خصص له صديقه انغلز، معاشاً شهرياً دائماً سنوياً فطوى النبي كتابه المقدس طي الأبد وتركه ناقصاً بقي حتى اليوم!

ولا يبتعد هذا المصير من آلاف الكتب والمُؤلفات الفكرية والحركية والثورية الإسلامية التي أصبحت رُكاماً لا أحد يقرأها، وإن قرأها لا يفهمها وإن فهمها لا يعمل بها فضلاً عن أن يدعو إليها!

والسبب هو عنوان المقال! «حقُّ أُريد به باطل».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي