No Script

خواطر صعلوك

من أمام البيت

تصغير
تكبير

كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحاً عندما كنت ألعبُ أمام البيت في ساحة ترابية كبيرة بجانبها مسجدٌ بلا زخارف، وأمي على الشرفة تراقبني... تناديني، تناغيني... وتبتسم، وترسم أحلاماً وردية بأدعية تطلقها في السماء.

وابتعدت قليلاً عن الساحة الترابية كي أرى العالم، ووجدت نفسي على طريق أسفلتي، مشيت خطوات للأمام وحدي لكي أتسلّم درع تخرجي في الثانوية، وفي الطريق تعرّفت على أصدقاء جُدد، ومع أحدهم لبسنا «روب» التخرج في الجامعة... نظرت خلفي وقلت «لم أبتعد كثيراً».

وفي الطريق تسلّمت راتبي الأول، تزوّجت وبنيت بيتاً من رمل على الخط السريع الذي يسير في اتجاه الغرب الشمالي للغيمة الصغيرة التي علَّمت بها طريق العودة، وبعدها بخطوات دفنت اثنين من أصدقائي ومشيت خلف جنازة رجل غريب لا أعرفه، خرج من الكفن وسلّم علينا فرداً فرداً وهمس لي بالحقيقة... وخرجت من المقبرة متوجهاً نحو محطة الحافلات، راغباً في العودة إلى البيت، وأنا على يقين أنني ابتعدت بما يكفي لكي أعود، وأن أمي الآن فؤادها فارغ كما كانت أُم موسى.

ولكن سائق الحافلة كان له رأي آخر، وأننا ما زلنا في منتصف الطريق ومازالت الساعة تشير إلى الرابعة عصراً، وما يُكلف الإنسان شهوراً وأعواماً في الحياة، يُكلف الكاتب سطراً أو سطوراً في الحكاية.

قرأت كتاباً مدرسياً عن البطاريق، حيث يُعتبر القطبان الشمالي والجنوبي من أبرد المناطق على وجه الأرض، ومع ذلك، لن يصدق أحد أنّ هناك شكلاً للحياة... حيتاناً عملاقة، ودِببة لها قدرة على السباحة، وفقمات لديها القدرة أن تتحول إلى بالونات حمراء كبيرة، وبطريق سباح لا يُصيبه بلل.

وتساءلت عن معنى الحكاية... ونزلت من الحافلة وجلست على الرصيف أبكي حبراً، وتمر أمامي الوفود والجموع فلا أجد أحداً فيهم يخبرني بطريق العودة... ومشيت مع المجموع والجماعة، وصليت المغرب وزرعت حديقة في الجنوب وبنيت من السعف «عشة» لمن سيأتي بعدي في الطريق باحثاً عن معنى أو طريق العودة... وما أبعد الجنوب عن العودة.

كانت الساعة تشير إلى التاسعة مساءً عندما ابتُلت ملابسي من المطر ووصلت للبيت لأكتشف أن الساحة الترابية أصبحت برجاً سكنياً إسمنتياً، وأن أمي لم تكن في انتظاري، وأنها دُفنت في الساعة الثالثة عصراً وقد صلى عليها 50 شخصاً ما عداي... ولكن دعاءها كان يحوم حول البيت. كم كان يوماً طويلاً مرهقاً، ولكني عدت أخيراً. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي