رؤية ورأي

... وتوقّف القلب الحنون

تصغير
تكبير

تعجز الكلمات عن رثاء فقيد الكويت أمير التواضع سمو الشيخ نوّاف الأحمد الجابر الصباح، طيّب الله ثراه. فقد كان سامياً في أخلاقه ومثالاً في تسامحه، ومحبوباً لدى رعيته وحنوناً مع الناس جميعاً، مواطنين ومقيمين، الصغار قبل الكبار، والشيوخ قبل الشباب. فكان قلبه الحنون منارة أضاءت مسيرته السياسية الطويلة الحافلة، التي خلالها خدم من مواقع متعدّدة الوطن والمواطن ودعم قضايا الأمّتين العربية والإسلامية.

فمن بين أبرز إنجازاته على المستوى المحلي، مواصلة مسيرة العفو التي بدأها مع سلفه، أمير الإنسانية سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، وبالأداة الدستورية ذاتها التي كانت مطروحة ومتاحة ومُفعّلة منذ بداية مشروع العفو، وهي أداة العفو الأميري الخاص، الذي حرصت قيادتنا السياسية على أن يكون شاملاً جميع أطياف المجتمع. لذلك، رغم قصر فترة حكمه، مسيرته في مشروع العفو أطول من سنوات حكمه. حيث بدأت هذه المسيرة منذ صدور مرسوم العفو الخاص عن النائب الأسبق فهد الخنة، ثم النائب الأسبق وليد الطبطبائي، في عام 2019 – في عهد سلفه رحمهما الله – وامتدّت هذه المسيرة إلى مرسوم العفو الخاص الأخير الذي صدر قبل يومين من وعكته الصحية الأخيرة.

وعلى المستوى الإقليمي، أبرز إنجازاته إتمام مشروع إنهاء الخلاف الخليجي، المشروع الذي بدأه سلفه – طيب الله ثراهما – من أجل احتواء الاحتقان السياسي الخليجي ومنع تفاقمه إلى مواجهة عسكرية. وهنا لابد أن استذكر كلمة سمو أمير التواضع في الدورة الحادية والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في المملكة العربية السعودية، التي أشاد فيها سموّه بالإنجاز التاريخي الذي تحقق بالتوقيع على «بيان العلا»، الذي بموجبه إحْتُويَ أخطر خلاف خليجي منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي، كما أشاد سموّه في الكلمة نفسها بالدور «المخلص والبناء» الذي بذله المغفور له أمير الإنسانية. وهذه الإشادة بلا شك عكست ووثّقت، كغيرها من الممارسات السامية الأخرى العديدة، جانباً من خصال أمير التواضع النبيلة الراقية.

وعلى الصعيد الدولي، تابع المغفور له أمير التواضع مسيرة تنويع الشركاء الدوليين، وتحديداً التحالف الإستراتيجي مع جمهورية الصين الشعبية. وأبرز محطاتها الزيارة التاريخية إلى الصين التي ترأسّها حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح – حين كان ولياً للعهد – التي تمخّض عنها التوقيع على خطة للتعاون الثنائي بين الصين والكويت للفترة من سنة 2024 إلى سنة 2028، إلى جانب عدد من اتفاقات التعاون في مجالات الطاقة المتجددة وإنشاءات البنية التحتية والحوكمة البيئية.

وأيضاً على الصعيد الدولي، استمر أمير التواضع – طيب الله ثراه – بالثبات على الموقف الكويتي المبدئي من القضية الفلسطينية، الموقف الذي تمتد جذوره إلى أسلافه رحمهم الله، بالرغم من تزايد الضغوط الدولية والإقليمية على الكويت لتغيير موقفها الراسخ. فإلى جانب الدعم السياسي والإعلامي الحكومي الممزوج بالموقف الشعبي، انطلقت منذ بداية الحرب على غزة، العمليات الكويتية عبر جسر جوي قائم إلى اليوم لإغاثة الفلسطينيين في قطاع غزّة.

فرحمك الله يا أمير التواضع، وجعل مثواك الجنة، وخلّد ذكراك في قلوب محبّيك بعد أن حرموا من دقّات ونبضات قلبك الحنون... «إنا لله وإنا إليه راجعون».

وأسأل الله عز وجل، أن يوفّق ويسدّد خطى خلفه الأمين، أمير الإصلاح والتنمية حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، القائد الحازم في محاربة الفساد المزمن المستشري في البلاد، القائد الحاسم في التصدّي للشللية والتعيينات البراشوتية المنظّمة، وحامل لواء النهضة الاقتصادية بالشراكة الإستراتيجية مع التنّين الصيني... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي