الرأي اليوم

مشعل الأول

سمو الأمير
سمو الأمير
تصغير
تكبير

صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح...

تحية الكويت والكويتيين لسموك، وأنت ابن الكويت البار الذي فتح قلبه قبل بابه للجميع امتداداً للشراكة وللعقد الفريد والمميز بين الحاكم والمحكوم.

عندما تسلمتم منصبكم ولياً للعهد عام 2020 كتبنا لكم: «أعانك الله يا أبا طلال»... على مسؤولية لست غريباً عنها وحمل لم يثقل كاهليك بل اعتبرته أمانة في درب طويل محفوف بالأمل والمحبة. واليوم أيضاً مع تسلمكم مسند الإمارة خلفاً للأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد نعيد القول «أعانك الله يا أبا طلال» مع الإيمان القوي بأن صفاء الرؤية وثراء التجربة وتراكم الخبرات هي مُحرّكات السفينة التي تمسكون باقتدار عجلة قيادتها.

سنوات قليلة في منصب ولاية العهد أمضيت جزءاً كبيراً منها حاملاً أمانة التفويض، فكان الجهد مُضاعفاً والعمل مُستمرّاً بلا توقّف. عين على الإصلاح وإعادة تنظيم المؤسسات وإعلاء صوت القانون، وقلب على صحة الأمير الأخ العضيد وعلى وحدة البلد واستقراره. كرّستم قيماً جديدة كان وقعها صادماً خصوصاً بالنسبة إلى أولئك الذين ما توقّعوا أن يرمي أحد بصخرة كبيرة في مياه راكدة فيُحرّكها ويفرز ما في داخلها.

سنوات قليلة كانت امتداداً لتاريخ طويل في الإدارة. تاريخ عنوانه القانون والعدل. والأهم من العنوان روحية القانون والعدل، فالإخلال بقيم المساواة ليس عدلاً وإن كان تحت مظلة القانون. وزرع مفاهيم التواكل قانون مُشوّه ولو كان بحجة العدل. هكذا حصل في رفض مُقترحات شعبوية تُنهك خزينة الدولة من جهة وتُساوي بين من اجتهد وسدّد التزاماته وبين من انتظر من يعفيه. وهكذا حصل بين التطبيق الفعلي للقانون على الكبير قبل الصغير في زمن اعتقد كثيرون أن «حصانات» يملكها البعض ستعفيهم من المحاسبة.

لم تتحقّق كل عناصر الرؤية في السنوات الماضية لاعتبارات كثيرة، لكنك يا أبا طلال طبعت قاموسها في التوجيه العام الذي كرّرته في أكثر من مُناسبة ورسمت خريطتها في خطاب وثيقة العهد الجديد ودعمت تنفيذها عبر سلسلة إجراءات بدءاً من تجديد كل المراكز القيادية وانتهاء بإطلاق سيف المحاسبة على الكبير قبل الصغير. ولا شك في أن المرحلة المقبلة ستشهد تطبيقاً أقوى لوثيقة العهد الجديد بالشراكة بين الجميع، وهي الشراكة التي شكّلت جوهر بناء واستمرار الكويت وكانت حاضرة في كل خطاباتكم وتوجيهاتكم السامية.

سنوات قليلة أُعيدت فيها الاتجاهات إلى بوصلتها الصحيحة، داخلياً وخارجياً. عزمتم على الخير دائماً، وواجهتم مُختلف القضايا بالحلم والصبر والأناة... وفي الوقت نفسه لجأتم إلى الحزم لوقف ما رأيتموه انحرافاً، وأصدرتم قرارات كان لها وقع التفاعل الإيجابي شعبياً لتصحيح انحرافات ووقف التمادي وإنهاء توظيف مُقدّرات الدولة في الحسابات السياسية الضيقة ولعبة الأصوات وصفقات على حساب المؤسسات والمال العام ومبدأ الأمن والأمان. وفي كل مرة كان الكويتيون إلى جانب هذا النهج وهم التوّاقون إلى رؤية حياة سياسية مُختلفة جذرياً عمادها الديموقراطية والحريات العامة وترجمتها استقرار وتنمية ومشاريع مُنتجة.

وخلف شخصية الحلم والحزم، لا بدّ من المرور على جانب الوفاء والولاء والعاطفة والمحبة التي كنت تُبديها تجاه الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد. جانب مُشرق ومضيء يُشكّل عِبرة للجميع ولأولادنا وأحفادنا. عندما خانتك العبرات وانهمر الدمع وأنت تتكلّم مُتمنّياً له الشفاء والعافية، وعندما تُقبّل يده وجبينه قبل سفره في رحلات العلاج والكلام المُؤثّر الذي كنت تُخاطبه به وحرصه الدائم على إظهار الثقة والاعتزاز بسموكم.

هذه العبارات لم تكن من باب المجاملة اللطيفة بين قادة الدولة بل تأسيس لمثال يُحتذى في التوقير واحترام التراتبية والوفاء والولاء. قلتم له: «أوامرك كُلّها مُنفّذة... كُلّ أوامرك طال عمرك ونحن تحت تصرف سموك... لا نتصرف ولا نُقرّر أي شي إلا معروضاً على سموك والموافقة من سموك. كلّ ما في خاطرك وكلّ اللي في بالك طال عمرك يتنفّذ حسب الأوامر اللي تصدر منك... ما نتعدّى طال عمرك أوامرك». ويردّ الراحل الكبير:«بارك الله فيك... أنت مكان النفس أعتزّ فيك... إن شاء الله فيك البركة والخير والصحة والعافية».

صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد غالبتم الدمع وأنتم تودّعون الشيخ نواف إلى مثواه الأخير. وأظهرتم تماسكاً لافتاً وأنتم تتقبلون تعازي زعماء العالم وأبنائكم أهل الكويت بالفقيد. جسّدتم الحلم والصبر والمحبّة والولاء والحزم والحسم... وهي الصفات القيادية التي سترسم مُستقبلاً واعداً للكويت.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي