No Script

خواطر صعلوك

في رثاء مَن أحببت...!

تصغير
تكبير

لطالما كان الوضع السياسي في الكويت هو إتقان أساليب الاختلاف حتى الإزعاج الذي سرعان ما يزول ويظهر غيره، حتى تسلّم مقاليد الحكم سمو الشيخ نواف الأحمد، رحمه الله بفضله وكرمه وواسع رحمته، فسلك مسلكاً إصلاحياً لتقوية ملكه، فأعلى منزلة الشعب وطالب بالاستماع إليهم، إنّه الحاكم الذي وضع السياسة جانباً في سبيل توحيد الكويتيين، وقد استطاع بقوة الإرادة وصدق المقاصد أن يحيط إدراته للبلاد بهالة من الشورى والحكم الحكيم.

وضع قاعدة أن أمل الاتفاق يُؤلّف بين الناس، ويدفعهم إلى بذل المزيد من الجهد، وأما عدم الإيمان بالوحدة، أي الافتقار الواضح لأدوات الوجود المشترك، فيحفز الناس على الابتعاد عن بعضهم البعض، ويدفعهم إلى الهروب من المسؤولية.

عُني بشؤون البلاد الداخلية، فجمع الخصال الثلاث، اللينُ للناس والاستماع منهم، والنظر في أمورهم، فوضع الشعب في منزلة الأُلفة، ووضعه الشعب في منزلة التفضيل.

لقد اجتهد في مصلحة العامة، فنظّم الإدارة، وجعل على رأسها سمو ولي العهد الأمين، أخاه وسنده، وأبعدَ رجال المصالح، وقرّب إليه رجال القانون، فأحيا البرلمان بعد موته، وجعل القوانين بموافقة البرلمان بعد أن كانت باليمين الغموس، وفي فترته تساوى عامة الناس والنبلاء، وأحبه المتحمسون للتجديد والتغيير، وأخذت التشريعات ترقى، وتعمل على تهذيب المسلك الحكومي والقضائي، فلانَ الخطاب السياسي بعد قسوة، وتدوّرت عجلة التنمية بعد تربيع، وخرجنا إلى آفاق سياسية جديدة ما كُنا لنبلغها بالخبز وحده.

تحدر من بيت دين وورع، فكان أشد صلاحاً، فاحترمه الناس جميعاً من عامتهم ونبلائهم، وقد تعلّم من كثرة السجود الابتعاد عن مظاهر الأُبهة، وبزهده واعتداله في حياته الخاصة، فاستحق إجلال جميع الناس عندما أظهر لهم حِلماً لا غضب تحته، فأظهر الناس له طاعةً لا حقد تحتها.

باختصار، فإن سمو الشيخ نواف الأحمد، هو حاكم فرض نفسه على الكويت كلها بالعفو واللطف، وبحب الشعب وطيبة النفس، وكان لهُ عقلٌ يمنعُهُ من أن يُخدَع بحلو الكلام، ودِينٌ يمنعُه من أن يَخْدع بأساليب السياسة، ولو أُتيح لك أن تنظر إلى كل تاريخه لحسبته الأب للبيت الكبير، القوّام لكل مائل، لا داهية من دهاة السياسة... فقد أُوتي من التقوى والتواضع مثل ما حرم من الاستكبار والتكبر والمكيدة، ومن المهابة والكرم والمكانة نظير ما أُعطي من الحِكمة وكره الاستبداد، وظلّ إلى آخر حياته يحتفظ بتواضعه الساحر الفتّان الذي لا تضارعه إلّا ثقته القوية المخلصة بدقة عمله وبقوة التحام الشعب معه.

وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي