هل هناك فعلاً خلافات جوهرية أميركية - إسرائيلية حول غزة؟

دمار احدثته الغارات الإسرائيلية بمستشفى في غزة
دمار احدثته الغارات الإسرائيلية بمستشفى في غزة
تصغير
تكبير

هناك اعتقادٌ تُحاول جاهدةً الولايات المتحدة إظهارَه، بوجود خلافات بين إدارة الرئيس جو بايدن وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول أولويات وكيفية إدارة المعركة في غزة ونتائجها. إلا أن كل الدلائل تُشير إلى أنها محاولةٌ أميركية لحفْظ ماء الوجه وتجنُّب خسارة الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة وليس رأفةً بالمدنيين في القطاع.

إذ يخرج بايدن ليُعلن بصراحة أن «أفراداً من حكومة نتنياهو متطرفين يجب التخلي عنهم، وان إسرائيل تخسر الحرب الإعلامية ويجب أن تكون حذرة في تعاملها مع الضربات الموجَّهة لغزة». وهذه إشارة إلى أن واشنطن تتدخل في الانتخابات الإسرائيلية وفي مَن يجب أن يُغادر الحكومة الحالية... إلا أن الرسالة مختلفة في باطنها.

وأكد بايدن أيضاً أن «أميركا لن توقف دعمها لإسرائيل مهما كلّف الأمر». وتالياً، فإن المشكلة لا تكمُن في مَن يملك القرار في إسرائيل، لأن وزيري الأمن الوطني إيتمار بن غفير والمال بتسلئيل سموتريتش المتطرفيْن، ليسا أقلّ تطرفاً من نتنياهو ولا يتواجدان داخل المجلس الوزاري المصغّر الذي يدير الحرب ويقتل المدنيين (12 ألف طفل وامرأة من أصل 18500 قتيل في غزة) ويقتل موظفي الأمم المتحدة الـ133 ويدمّر البنية التحتية والمستشفيات ومدارس «الأونروا» ويدفع الفلسطينيين للهجرة القسرية من الشمال إلى الجنوب ويعري المدنيين رجالاً ونساءً في محاولة بائسة لإظهار أنهم أفراد من «حماس» حتى ولو كان بينهم صحافيون وأطباء وأكاديميون معروفون.

بل ان نتنياهو هو الذي يقود الحربَ ويصرّح بأنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية وان غزة ستُدار - إذا انتصرت إسرائيل - من إدارة عسكرية، وان اتفاق أوسلو الذي رعتْه أميركا «قد مات»، وأن الحرب على غزة لن تنتهي إلا بتحقيق الأهداف المعلَنة بالقضاء على «حماس» وتحرير الأسرى.

إلا ان نتنياهو، أذكى الديبلوماسيين الذين حَكَموا إسرائيل، يعلم جيداً ان القضاء على «حماس» مستحيل، كما أكد رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، وان تحرير الأسرى لن يتم أبداً بالقوة العسكرية لجميع الـ 137 عسكرياً وضابطاً. بل سيتسبّب بقتْل بعضهم - كما حصل بقتل أسرى أثناء محاولة تحرير أحدهم - وتحرير البعض الآخَر افتراضياً في أفضل الأحوال. إلا انه لن يستطيع تحرير الجميع وسيضطر لصفقة تَبادُل لن تقبل بها الحركة إلا بعد انتهاء العملية العسكرية.

وتالياً، فإن نتنياهو يعلم أن أهدافه المعلَنة من الصعب تحقيقها وأن مستقبله السياسي على المحك وهو يغازل المتطرفين في حكومته كي لا يتخلوا عنه مستقبلاً عندما تضع الحرب أوزارها.

ولكن هل هناك خلافات بين نتنياهو وإدارة بايدن؟ نعم، بدأت الخلافات قبل الحرب، إذ كان بايدن يرفض استقبال رئيس الوزراء في البيت الأبيض لأعوام طويلة. لكن في هذه المرحلة بالذات، لا يستطيع الرئيس الأميركي التخلي عن إسرائيل لأن ذلك يُعد انتحاراً سياسياً يسحب بساط الدعم عن الحزب الديموقراطي ويقدّم الربح المضمون للجمهوريين في معركة الرئاسة التي تبدأ السنة المقبلة.

لكن استمرار دعمه لإسرائيل في هذه الحرب التي يُقتل ويُجرح فيها عشرات الآلاف من المدنيين، قد تخسّر الرئيس الديموقراطي في أقله ثلاث إلى أربع ولايات داعمة لغزة. وهذا ما يضرّ بالحزب ويفشله انتخابياً بسبب موقفه، خصوصاً عند الشباب الأميركيين (وغيرهم حول العالم) المتابعين للجرائم الإسرائيلية.

وعندما يقول بايدن إن «إسرائيل خسرت الحرب الإعلامية» فإن كلامه غير دقيق لأن إسرائيل وأميركا خسرتا الحرب الإعلامية بسبب القذائف والمال والدعم الذي تقدّمه واشنطن لتل أبيب في الأمم المتحدة لتصبح شريكة موازية لما يحصل لمدنيي غزة من قتل ودمار.

حتى أن الولايات المتحدة وقفت لوحدها أمام 14 دولة في اجتماع مجلس الأمن الأخير، بعدما صوّتت أوروبا، حليفتها، مع وقف إطلاق النار، وامتنعت بريطانيا، ليُترك السفير الأميركي وحيداً مع رفضه أمام العالم أجمع. وهذا يؤكد الشراكة الأميركية - الإسرائيلية التي التحمت منذ عشرات السنين لتصبح إسرائيل جزءاً من الأمن الأميركي الذي لا تستطيع التفريط به.

وبما أن اسرائيل تدرك أنها لا تستطيع وقف الحرب من دون إعطاء أي ضمانة للمستوطنين بالعودة إلى «غلاف غزة» في الوقت الراهن، فإنها ستستمر بالقتال لأن ذلك يتعلق بوجودها.

وبقول مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، خلال زيارته لإسرائيل، انه طلب «تخفيف دفع الفلسطينيين للهجرة» و«تخفيف الوطأة» باستخدام القذائف بدقة واتباع أسلوب الاغتيالات، فهو ينطق بما فات عليه الزمن.

فشمال غزة شهد هجرة 75 في المئة من سكانه أي 1.1 مليون ودُمرت في هذه البقعة المستشفيات وأزيلت شوارع وأحياء بالكامل. ولم يعد هناك مجال لـ «التخفيف» من القصف والهجرة التي حصلت وانتهى الأمر ليُترك الكلام لقرقعة السلاح وللمقاومة والميدان ليحدد مصير غزة.

إضافة إلى ذلك، فمنذ اغتيال مؤسس «حماس» الشيخ أحمد ياسين عام 2004 ليخلفه عبدالعزيز الرنتيسي الذي اغتيل بعد شهر، وكذلك اغتيال أكبر القادة العسكريين، أصبحت الحركة أقوى بكثير وتطور أسلوبها وخبراتها القتالية وأسلحتها لتؤكد أنها فِكر أيديولوجي يسعى لتحرير الأرض ولا تتأثر مسيرته بـ «كوكبة الشهداء» مهما كبر عددهم.

نعم، هناك خلافات بين بايدن ونتنياهو تعود إلى ما قبل الحرب. لكن لا خلاف على مواصلة تل أبيب، تدمير غزة وافتعال المجازر بما لا يؤثر على سمعة واشنطن التي تخشى على انتخاباتها وليس على حياة الغزاويين.

ولن يتوقف الجسر الجوي لحلف «الناتو» ولأميركا - التي تترأسه وتديره - لإمداد إسرائيل بعشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف التي لم تنقطع يوماً منذ 7 أكتوبر الماضي، وتسليمها ذخيرة من الاحتياطي الإستراتيجي.

ولن تبخل الإدارة الأميركية بدعمها لإسرائيل في مجلس الأمن لتشلّه وتمنعه من طلب وقف إطلاق النار إلا عندما ترى تل أبيب الفرصة جيدة لذلك وتصبّ في مصلحتها.

وإذا كانت هناك نية حقيقية أميركية لوقف الحرب وتململٌ فعلي من جرائم إسرائيل لخرْقها القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة واتفاقية جنيف وخسارتها الدعم الإعلامي، فالحلّ ليس صعباً: ليتوقف الدعم اللا محدود لإسرائيل التي لا ولن تستطيع خوض أيّ حرب من دون أميركا وأسلحتها وذخائرها وأموالها ودعمها السياسي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي