الإسلام شئنا أم أبينا أمة في وسط هذه الأمم من مجاميع الأمم الكبرى، وليست هذه المجاميع حكراً على الكتلة الشرقية بقيادة الروس ومن لفّ لفهم، أو الكتلة الغربية التي يتزعمها الانجيليون ومن دار في فلكهم.
ولكنها أكثر وأكبر من ذلك، وهي العالم بأسره بشعوبه ودوله وقبائله وبين الكتلة الشرقية والغربية تقف الكنيسة الرومانية التي تحرص على بقاء اتباعها من أمم العالم على سواء في الشؤون الروحية كما أن هناك سياسات ظهرت أخيراً بعد الأحداث في أميركا الجنوبية وأوروبا الغربية وبرزت برامج اقتصادية وتحولات وتوجهات عامة في الرأي العام لا تنضوي تماماً إلى الكتلتين ولا تنفصل عنها كل الانفصال. والذي يعنينا بالدرجة الأولى هنا الكتلة الإسلامية لابد أن يكون لها قيادة وخطة واضحة المعالم وعلى أقل تقدير في مستقبل غزة لتجعل لها صوتاً مسموعاً في كل سياسة تصاب بها سواءً على سوء النية أو حسنها تربأ بنفسها أن تكون حيث كانت قبيلة تيم، وهي من بطون قريش في جاهليتها حيث يقول شاعرهم:
ويُقضى الأمر حين تغيب تيم
ولا يُستأمرون وهم شهودُ!
وإنك لو رأيت عبيد تيم
وتيماً قلت أيهما العبيد؟
ومتى استطاعت هذه المجموعة الإسلامية العالمية أن تُسهم في حمل أمانة (الإنسانية) وأن تعطيها من عندها ولا تعيش عالة عليها، وأن تؤدي رسالتها للحضارة والإسلام، وأن تفرض وجودها على من يهملونها ولا يحسبون حسابها – إلا في الصور الجماعية والمصافحة باليد! - فذلك حق الإسلام منها وحقها هي من الإسلام.
ولا حاجة بنا إلى التنجيم عن حوادث الدهر فإنه بأي حال لن يخلو من الحوادث والصروف، ولن تخلو حوادثه من سلم وحرب وعز وذل ونصر وهزيمة ودول تعلو ودول تهبط وعلاقات تتصل وأخرى تنفصل وصداقة تنقلب إلى عداوة وبالعكس.
وأما نحن آمنون إذا واجهنا الغد المجهول بعدته – كما أمرنا الله – فنكون مستعدين له بخير ما نستطيع إذا خرجنا من الماضي الطويل بعبرته الوافية، وعبرته الوافية تقول إن العقائد السليمة أثبت من السياسات العقيمة، وإن الأمم أثبت من الدول وإن الجاهل أعدى لأمته من أعدى أعدائها، وما نكب الإسلام قط من حرب صليبية أو حرب استعمار كما نكب من أبنائه الجهلاء.
وإذا بقي للإسلام إيمانه وأركانه والمؤمنون به على هُدىً وبصيرة فلا خطر عليه من أقوياء اليوم ولا من أقوياء الغد المجهول، وأخطر من كل خطر أن يتخلف مكان العلم والبصيرة ويتقدم مكانه الجهل والشعارات الجوفاء، ومن أمثلة الجهل أن يطول اللجاج ويحتدم الهياج وأن يُغرى صاحبه برمي الآخرين بالزندقة والتصهين لأنهم لم يتبنوا رأيه وحزبه!
وفي غزة لن نستطيع مواجهة العالم ونحن على هذه الحال في هذه الأمة.
فالحسبة ضايعة وصدق القائل:
لا يصلح الناس فوضى لا سَراةَ لهم
ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
والبيتُ لا يُبتنى إلّا على عمدٍ
ولا عمادَ إذا لم تُرس أوتادُ