ألوان

إنّها القدس

تصغير
تكبير

يا لهذه المدينة الخالدة التي تضم بانوراما للحضارة الإنسانية فنحن نسميها «القدس» ويسمونها «أورشليم»، وهي المدينة المقدسة والأرض الطيبة المباركة، وحين قال موسى، عليه السلام، لقومه بني اسرائيل «ادخلوا الأرضَ المقدّسةَ التي كتبَ اللهُ لكم» فردّوا عليه قائلين «إنّ فيها قوماً جبّارين»، أي أن الارض كانت مسكونة قبل دخول بني إسرائيل وهم بنو يبوس وهم قبيلة عربية وهم الذين قاموا ببناء القدس، وقد هاجر يبوس من الجزيرة العربية وهذا أبلغ رد على من يدعي أن اليهود سكنوا القدس قبل العرب.

نعم، إنّ العرب واليهود من نسل إبراهيم، عليه السلام، إلا أن العرب هم الذين قاموا ببناء وتشييد القدس لتكون صالحة للعيش.

نعم، إن فلسطين أرضٌ عربيةٌ وهي ليست موطناً لهم يوماً ما، إلا أن الغرب وضعف الأمة وفي غفلة من الزمن جاءت روايات تحاول تغيير الواقع، فكانت المعاناة لكل مواطن فلسطيني من مسلم ومسيحي.

وبات الطفل الفلسطيني يواجه البطش والهيمنة الإسرائيلية للنيل من طفولته، لكنه كبر بسرعة متسلحاً بالوعي وبات مستعداً للتضحية مثله مثل والده وجده، وستستمر التضحيات إلى يوم تحرير فلسطين.

إن فلسطين أرض زراعية ذُكرت في القرآن الكريم، حين قال الله تعالى:«والتينِ والزيتونِ» فكانت شجرة الزيتون مُباركة، والمُزارع الفلسطيني ينتمي إلى تلك الأرض وسيبقى متشبثاً بها حتى لو اقتلعت الأشجار فهو ماض في طريقه وباق ينتمي إلى الزيتون والموروث الشعبي وإلى القيم الفلسطينية.

إنّ فلسطين بلد غني بثرواته وبتاريخه، وهو شعب متعلم تكاد تصل نسبة الأمية فيه إلى الصفر، كما أن فيه تراكماً حضارياً كبيراً وعميقاً، وهناك آلاف الدراسات الأكاديمية التي تناولت هذا الإرث الحضاري الإنساني، ولقد استفاد الكثير من الدول العربية في تفعيل التنمية عندما اضطر المواطن الفلسطيني للنزوح ومنها دولة الكويت فلا يمكن تجاهل الكفاءة الفلسطينية في البناء والتشييد.

وقد تكون القدس هي أقدم مدينة في العالم، إذ يعود تاريخها إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد، وعندما فتحها الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عمل على تأصيل الحماية لمن كان يعيش بها، خاصة في ما يتعلق بحرية العبادة والمحافظة على الأملاك الشخصية.

وتعاقبت الدول الإسلامية على تطويرها فقامت الدولة الأُموية ببناء قبة الصخرة والمسجد المرواني ثم تبعتها الدولة العباسية حيث سك العملات باسمها إلى أن تعرّضت إلى الاحتلال من قبل الصليبيين، فقاموا بارتكاب مجازر قتل فيها أكثر من سبعين ألف مسلم، وقد دفنوا في مقبرة تحمل اسم «مان الله» وتعني «أمان الله» وهي تشير إلى تلك المجزرة.

وبعد فترة وجيزة، سطعَ نجمُ صلاح الدين الأيوبي، وذاع صيته بعد فتوحاته لبعض المدن في بلاد الشام، ولم يكن قد وصل إلى القدس بعد حتى وصلته رسالة من أهلها قالوا فيها:

يأيها الملك الذي لمعابد الصلبان نكس

جاءت إليك رسالة تسعى من البيت المقدس

كل المساجد حررت وأنا على شرفي أدنس

وما إن تسلّم تلك الرسالة حتى أمر صلاح الدين، بتجهيز المنبر قبل افتتاح القدس لأنه كان على ثقة عالية من انتصاره، فكان له ذلك ولكنه عند فتح القدس لم يقتل أحداً إلا من قاتلهم بل أمر أطباءه بعلاج المصابين مهما كانت ديانتهم من مسلمين أو نصارى أو يهود، ونشر العدل بينهم عكس الصليبيين الذين كانوا يقومون بقتل المسلمين بجرائم ما زال يذكرها التاريخ. وبدأت قصة الدولة الصهيونية في اجتماع بسويسرا قبل خمسين عاماً من إقامة تلك الدولة بقيادة تيودور هرتزل، ثم بدعم من بريطانيا حيث وعد بلفور، وما زالت المأساة مستمرة.

وعلينا ألا ننسى موقف الدولة العثمانية حين عرض اليهود على السلطان عبدالحميد، في بناء اليهود في القدس إلا أنه أصرّ على إسلامية القدس ولم يسمح لهم بالاستيطان في الأرض المقدسة، لكن المؤامرة كانت له بالمرصاد فسقطت الدولة العثمانية ومن يومها ونحن حالنا من سيئ إلى أسوأ.

إنّ الإسلام ليس دولة القتل كما تصوره وسائل الإعلام، ومقاطع اليوتيوب وبعض الجماعات التي تدعي أنها تنتمي إلى الإسلام وهو بريء منها، وكم هو مؤلم أن نجد من بني جلدتنا وهم يوجهون مثل تلك التهم ضد القضية الفلسطينية المقدسة.

لست ضد الرأي الآخر، بيد أن الكويت لديها ثوابت إسلامية وعربية ومنها القضية الفلسطينية ومن يرفض تلك الثوابت عليه ألا يسعى للانتماء إلى تلك الأرض الطيبة وشعبها الأصيل بأخلاقه.

لقد أورثنا الله تلك الأرض المقدسة وهي أمانة في أعناقنا جيلاً بعد جيل، ورغم الضعف فما زال هناك جيل بطل مقاوم ولدينا المرابطون فيها وعلينا ألا نتساهل في تلك القضية رغم خلافاتنا التي لا داعي لذكرها، لأن المسجد الأقصى ربط بالمسجد الحرام، وعلينا أن نتذكر في معجزة الإسراء والمعراج أن الله كان قادراً على أخذ الرسول عليه الصلاة والسلام، من مكة إلى السماء مباشرة، فلماذا كان الإسراء إلى القدس أولاً ثم إلى السماوات العليا وهو أمر يعكس مكانة المسجد الأقصى المبارك بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي.

نعم، إن المسجد الأقصى قضيتنا الأولى وعلينا أن نكون جميعاً مخلصين لها كل في مجاله من سياسيين وأكاديميين وفنانين وأدباء وإعلاميين، ورغم كل الظروف الصعبة المحيطة بنا إلا أنني على ثقة تامة من أن شعوبنا غير قادرة على تحرير الأقصى في الوقت الحالي مع عدم نسيان حلم التحرير مهما كانت المؤامرات من البعيد قبل القريب، وعلينا ألا نسمح للعجز والخنوع بالتسلل إلى قلوبنا فيتحول إلى هزيمة نفسية تدفع بالبعض منا بالتقليل من ثقافة المقاومة عبر منابر إعلامية مدفوعة الأجر وهي تمارس الخيانة بعلم أو دون علم.

همسة:

ستعود فلسطين لأهلها رغم أنف الرافضين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي