قبل ما يزيد على ثلاثة أسابيع، نظّمت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية البرلمانية ملتقى «نظام انتخابي متقدّم لمشاركة شعبية فاعلة»، بهدف نقل أفكار الشعب إلى مجلس الأمة، لترجمتها وتجسيدها في متن مشروع قانون «القوائم النسبية» المزمع تداوله في المجلس الأسبوع المقبل.
لا شك أن هذه المبادرة من اللجنة التشريعية إيجابية، تُشكر عليها، إلا أنّها دون المستوى المطلوب لمناقشة قانون ينظّم انتخاب أعضاء مجلس الأمّة. فالأثر المؤكّد للملتقى ينحصر في تسويق مشروع القانون، ولكنه لا يضمن تنقيح وتجويد مشروع القانون.
لأن هذه المبادرة لا تعالج الإشكالية الجوهرية النابعة من تعارض مصالح أعضاء اللجنة مع القانون المزمع إقراره في المجلس، بل إن تعارض المصالح قد يطول التعاطي مع مخرجات الملتقى نفسه. فبإمكان اللجنة – مثلاً – أن تنتقي من بين الآراء والملاحظات والمقترحات المتنوّعة المتقاذفة التي طرحت في الملتقى، ما يتّسق ويدعم توجهاتها ومرئيّاتها المسبقة واللاحقة للمنتدى، عوضاً عن الاستعانة بتلك الآراء كمدخلات لتحسين مشروع القانون.
لذلك، ينبغي أن نكون نحن الشعب مبادرين في تقويم التعاطي مع القوانين المنظّمة لانتخابات مجلس الأمّة. ولا يليق بنا – في هذه المرحلة من تجربتنا البرلمانية – القبول والاعتداد بطيبة وثقة مطلقتين بالتصريحات النيابية المتفائلة المشجّعة التي صدرت والتي سوف تصدر حول مشروع القانون، الذي أعدّته اللجنة التشريعية أو الذي سوف يقرّه المجلس.
لأن تصريحاتهم غالباً ما تكون منحازة غير موضوعية. وسأكتفي هنا بالإشارة إلى أحدث مثالين على الآراء النيابية الخاطئة: في المثال الأول الآراء كانت تفاؤليّة وفي الثاني كانت تشاؤميّة.
بالنسبة للمثال الأول، أستذكر حصيلة سنوات من تطبيق القانون رقم 42 لسنة 2006 (في شأن تقليص عدد الدوائر الانتخابية إلى خمس)، الذي أصرّ النوّاب على تشريعه – بدعم من حملة «نبيها خمسة» – من أجل القضاء على المشاكل المرتبطة بمنظومة انتخاب أعضاء مجلس الأمة، كالفتن الطائفية والعنصرية وتوظيف المال السياسي، ولكننا لم نجنِ من تطبيقه سوى تفاقم تلك المشاكل.
وأما المثال الثاني فهو متعلّق بآراء النواب المحذّرة من تطبيق القانون رقم 20 لسنة 2012 (المعروف باسم قانون الصوت الواحد). فبعد ثماني سنوات من تطبيقه، أنتج هذا القانون مجلس 2020 ذا الأغلبية الكبيرة من النوّاب «الإصلاحيين» – وفق تصنيف المحذرين من القانون – بل إنه انتج ثلاثة مجالس متتالية بأغلبية متزايدة في عدد النوّاب «الإصلاحيين»، انتهاءً بالمجلس الحالي الذي يضم كتلة «إصلاحية» من 48 عضواً. وأيضاً، تقلّصت الفتن الطائفية والعنصرية بعد تطبيق هذا القانون، إلى أن اختفت بعد أن حصل النواب «الإصلاحيون» على الأغلبية الكبيرة ثم الساحقة في المجلس وكسبوا تحالف الحكومة معهم.
علينا كناخبين أن نكون أكثر فطنة في بسط الرقابة الشعبية على نوّابنا، وبالأخص في شؤون تنظيم انتخاب أعضاء المجلس. فعلى سبيل المثال، هناك أسئلة عديدة محيرة تبحث عن إجابات، ينبغي الاطلاع على إجاباتها قبل القبول المبدئي بتداول قانون جديد لتنظيم انتخاب أعضاء المجلس.
ومن بينها، لماذا الاستعجال – في هذه المرحلة من المشهد السياسي – باستبدال القانون الحالي إذا كانت مخرجاته نموذجية مماثلة لمخرجات الانتخابات في الدول الشمولية؟
قد يكون النائب بالمجلس المبطل الثالث الدكتور عبيد الوسمي – الذي طالب بالتحقيق في ادعاءات التزوير في انتخابات المجلس نفسه – هو أكثر سياسي يبحث عن إجابة هذا السؤال. وفي المقابل، قد يكون النوّاب الذين تصدّوا لمطالبة الوسمي هم أكثر السياسيين هرباً من الإجابة عن السؤال.
بناءً على ما تقدّم، ولتناقضات أخرى لا مجال لذكرها، وحيث إن المجلسين الوزراء والأمة من طيف سياسي واحد، لا يمثّلان ولا يتبنّيان أولويات شرائح واسعة من الشعب؛ أناشد السياسيين المعنيين كافة، تنظيم مؤتمر حوار وطني لتطوير النظام الانتخابي، على أن يُعدّه ويُديره ويُصيغ مخرجاته مجلس أمناء تختار أعضاءه القيادة السياسية، من بين الخبراء الوطنيين المشهود لهم بالحيادية والنزاهة والمهنية والكفاءة، على غرار التجربة المصرية الحديثة في تطوير نظامهم الانتخابي، التي أفضت قبل أربعة أشهر إلى إعداد ثلاثة خيارات متوافقة مع الدستور، أرفقت بها إيجابيات وسلبيات كلّ منها.
«اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com