الدور الذي يلعبه الإعلام المأجور عبر وسائل التواصل الاجتماعي خطير، ينخر أمننا الوطني في مستويات عدّة، من بين أبرزها إعابة وإفساد ممارستنا الديموقراطية أكثر فأكثر بما يدفع الدولة نحو الفشل. وأحدث مشاهد هذا الدور الفاحش الصارخ كان في الموقف من الاستجواب الذي قدّمه النائب مهلهل المضف إلى سمو الرئيس الشيخ أحمد نوّاف الأحمد الصباح.
في هذا الاستجواب، قلب الإعلام المأجور موازين العمل النيابي الإصلاحي رأساً على عقب، وحصّن النوّاب الذين انقلبوا على ركائز نهجهم النيابي، الذي تبنوّه ظاهريّاً منذ الحراك السياسي. فالنوّاب الذين أمطروا من دون مهلة سمو الرئيس السابق الشيخ صباح الخالد، بوابل من الاستجوابات إبان مجلسي 2016 و2020 بدعوى «تثبيت العرش قبل النقش» وبحجة الأولوية القصوى الحصرية لتغيير النهج السياسي في المجلسين قبل أيّ أولوية إصلاحية أخرى، انقلبوا أمام الرئيس الحالي وأصبح شعارهم «انقش ثمّ ثبّت العرش» بذريعة إنفاذ خارطة تشريعية – فصّلت بالمقص الحكومي – بعد أن عجزوا عن «تثبيت العرش والنقش» في المجلس المبطل الثالث.
بعيداً عن علاقة الانقلاب في النهج النيابي بصدور مرسوم العفو والقرارات الحكومية التي سبقت جلسة الاستجواب، وبغض النظر عن ما جاء في مرافعات جلسة الاستجواب، يقلقني كثيراً تجاهل جل أعضاء مجلس الأمة – الحالي والمبطل الثالث – امتناع رئيس الحكومة عن الرد على الأسئلة البرلمانية، بذريعة عدم دستورية الأسئلة.
ويقلقني أكثر توافق رئيسي المجلسين السعدون والنوّاف، على أن تعالج أزمة الأسئلة البرلمانية من خلال لجنة وجّه بتشكيلها رئيس الحكومة، تضم في عضويتها مستشارين من مجلس الوزراء وآخرين من إدارة الفتوى والتشريع وخبرات وطنية، ولكنها لا تضم مستشارين من مجلس الأمّة.
هذه المعالجة خطيئة مخالفة للدستور بشكل مركّب. فمن جانب، تعطّل اختصاصات وأدوات رقابية متاحة لمجلس الأمة، من قبيل تشكيل لجان تحقيق برلمانية وندب عضو أو أكثر إلى خارج المجلس للتحقيق – وفق المادة (114) من الدستور – فضلاً عن تجميد محور من استجواب المضف. ومن جانب آخر، هذه المعالجة بمثابة إعلان تنازل مجلس الأمة عن أحد اختصاصاته الرقابية لصالح الحكومة، بشكل مخالف للمادة (50) من الدستور.
والأكثر اقلاقاً من كل ما سبق، هو ألّا يحاسب الشعب النوّاب الذين تقاعسوا عن «تثبيت العرش» في أزمة الأسئلة البرلمانية، ويشغلنا هؤلاء النوّاب على مدى سنوات بمشاريع إصلاح فصلتها الحكومة وبطولات مكافحة فساد انتقائية انتقامية تخدم أقطاباً ورموزاً على حساب الوطن، ثم يتقدّم هؤلاء النوّاب ليتصدروا صفوف المطالبين بإصلاح النهج الحكومي-النيابي الذي شاركوا في افساده، الخاص بالأسئلة البرلمانية الموجه إلى رئيس الحكومة. وهكذا تقلّب في موجات الإصلاح ومكافحة الفساد تكرر مراراً خلال تاريخنا النيابي القصير. وقد يكون أشهرها التقلّب في الموقف من رفع الجلسات التي تغيب عنها الحكومة. فمن بين النوّاب المخضرمين في المجلس الحالي، من تقبّل رفع جميع جلسات المجلس التي تغيّبت عنها الحكومة منذ المجلس الأوّل، ثم تصدر على مدى سنين عدة صفوف المؤكّدين – من خارج وداخل المجلس – عدم اشتراط حضور الحكومة لانعقاد الجلسات، ثم عاد مرّة أخرى منذ المجلس المبطل الثالث إلى تقبّل رفع جميع جلسات المجلس التي تغيّبت عنها الحكومة.
وبسبب هذا التقلّب في نهج وأولويات النوّاب الذين تظاهروا بتبني الإصلاح ومحاربة الفساد، وعودتهم إلى الانشغال بالنقش وتناسي تثبيت العرش، سوف تنتهي الموجة الشعبية الإصلاحية الحالية التي تشكلت قبل عقد من الزمن إلى التسابق في الاستفادة من استشراء الفساد، تماماً مثلما انتهت الموجة الشعبية الإصلاحية التي سبقتها، التي تعاظمت في مجلس 1992 ثم بدأت بالفتور في مجلس 1996 إلى أن انتهت في مجلس 2009.
لذلك، سوف يعود إلى الصدارة في الانتخابات المقبلة – برعاية الإعلام المأجور – نوّاب الخدمات و«النقش» الحكوميون ويتراجع النوّاب المعارضون الذين يواصلون مساعي الإصلاح و«تثبيت العرش»... ولا عزاء للوطن.
«اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com