... لهذا استأنفت إسرائيل الحرب ورفضتْ اقتراحاتِ التبادل مع «حماس»

تصغير
تكبير

رَضَخَ بنيامين نتنياهو، لتهديداتِ اليمين المتطرف داخل ائتلاف حكومته، خوفاً من سقوطها والذهاب إلى انتخاباتٍ مبكرة تطيح به وبمستقبله السياسي، ما سيعرّضه للمساءلة الداخلية على أخطائه، وكذلك يضعه أمام احتمالِ محاكمته باتهاماتٍ بالفساد من الممكن أن تؤدي به إلى السجن.
وقد رفض رئيسُ الوزراء الإسرائيلي في اللحظات الأخيرة، مقترحاتِ حركة «حماس» بتبادُل المخطوفين والسجناء، بحسب الأولويات والفئات، وطالبَ بالمستحيل في ردٍّ وصل إلى المقاومة بعد منتصف ليل الخميس، قبل أن يُعطي يوم الجمعة، «الضوءَ الأخضر» لآلة الحرب المدمّرة لتعاود قتْلها للمدنيين الفلسطينيين وتقطيع قطاع غزة لإكمال العملية العسكرية التي توقفت لسبعة أيام، لملمتْ فيها غزة بعض جِراحها.

إضافة إلى ذلك، فإن نتنياهو يحاول فرْضَ شروطه بالتفاوض تحت النار وإطلاق سراح جنوده بثمنٍ بخس. وكل هذا أدى إلى عودة القتْل الممنهج لفلسطينيي غزة.
وكان وزير المال بتسلئيل سموتريتش، رأى أن «على نتنياهو قطْع العلاقات مع حماس وإفشال الهدنة وإكمال العملية العسكرية». وذهب وزير الأمن إيتمار بن غفير إلى أبعد من ذلك، قائلاً «يجب أن تُسحق حماس وتُدمر غزة وأن نعود إلى القطاع بلا تنازلاتٍ ولا صفقات».
وهدد الوزيران، رئيس الحكومة، بانسحاب 6 وزراء من حكومته الائتلافية التي تَعتمد على تحالفاتٍ مع اليمين الديني المتطرّف لابد منها لبقاء تَماسُكها.
وهذا ما وَضَعَ نتنياهو أمام خياريْن لا ثالث لهما: إما تقديم استقالة الحكومة والقبول بفشله والتهيؤ للمحاسبة، وإما إكمال الهجوم، أملاً بتحقيق أهداف يرضى عنها ائتلافُه الحكومي، وكذلك المستوطنون وسكان منطقة «غلاف غزة»، الذين لن يعودوا إلى منازلهم إلا بضماناتٍ تقدّمها الحكومة والجيش، وهي بمثابة منطقة عازلة بينهم وبين غزة، أو بتهجير شمال القطاع أو القطاع بأكمله نحو سيناء.
وهذه الأهداف لا يفسدها إلا أداء المقاومة وخسائر إسرائيل على أرض المعركة.
إضافة إلى ذلك، فإن بن غفير، الذي يشغل منصب وزير الأمن القومي - وهي المرة الأولى التي يتسلم فيها المتشدّدون الدينيون، الوزارةَ الحساسةَ - أَخْفَقَ بتحقيق الأمن الذي إنهار يوم السابع من أكتوبر بعد هجوم «حماس» المفاجئ الذي فشلتْ أجهزة الأمن والاستخبارات في توقُّعه وإحباطه.
وتالياً، فإن بن غفير أيضاً يتحمّل المسؤولية وكذلك المحاسبة إذا لم يحقق إنجازاً يَرضى به ويبيّض صفحتَه ويدعم حزبَه في الانتخابات المقبلة مهما طال الزمن.
هذه الأسباب الرئيسية التي دفعتْ إسرائيل إلى اتخاذ قرارها بالعودة إلى السلاح رغم عدم شهية نتنياهو لخوض حربٍ يجهل توقيت إنهائها ونتائجها غير المضمونة.
كما لجأت إسرائيل، إلى أعذار فَشَلِ مفاوضات الدوحة وتحميل الحركة، المسؤولية عن انهيار الهدنة التي أراد منها رئيس الوزراء تحقيق بعض الانتصارات الداخلية بإرضاء أهالي المحتجَزين الذين يطالبون بعودة أبنائهم من الأسر.
ومن الواضح أن إسرائيل كانت تخطّط لهدنةٍ فقط، بانتظار اختبارِ الضغطِ الدولي وتأثيره على أهدافها باحتلال غزة. ولاحظتْ أن المجتمعَ الدولي مازال ضعيف الإرادة ولا يملك الأوراق القانونية لمحاسبتها، نظراً للدعم الأميركي اللا محدود، والذي لابد أن يمتنع عن حشْر إسرائيل في الزاوية لِما سيشكّله ذلك من انتحار سياسي نظراً لِما تتمتع به إسرائيل من نفوذ في أميركا التي تواجه انتخاباتٍ رئاسيةً السنة المقبلة وسباقاً شرساً بين الديموقراطيين والجمهوريين.
لكن ماذا حصل في أروقة المفاوضات؟
عرضتْ «حماس» مبادراتٍ عدة لإكمال مسار تبادُل الأسرى والمحتجَزين. فقدّمتْ عرضاً إنسانياً لإطلاق يردن بيباس، الذي قُتلت عائلتُه المؤلفة من زوجته وطفليْن، أثناء الأسر وجراء القصف الإسرائيلي على غزة.
وقال المُفاوِضُ الفلسطيني إن هناك مبادرة لإطلاق بيباس مع جثث عائلته المخطوفة مقابل إفراج إسرائيل عن 65 فلسطينياً كانت عاودت اعتقالهم بعد صفقة «وفاء الأحرار» التي أُطلق فيها الجندي جلعاد شاليت مقابل 1027 أسيراً عام 2011 بعد خمس سنوات من التفاوض.
واعتبرت الحركة في حينه، أن إسرائيل خرقتْ الاتفاق وأصدرت أحكاماً قاسية بحق المحرَّرين بعد اعتقالهم. إلا أن تل أبيب رفضتْ العرض.
وأبلغت «حماس»، المفاوضين إنها تحتجز كبار السنّ، فوق عمر الستين، وتستطيع التفاوض عليهم، فأصرّت إسرائيل على أنها تريد إطلاق النساء أولاً، وإنهاء هذه الفئة قبل انتقالها إلى فئة أخرى، وقدّمت أسماء 20 معتَقَلة تريد إطلاقهنّ على دفعتين، مقابل الاتفاق نفسه المبرَم منذ اليوم الأول من الهدنة.
إلا أنه تبيّن لـ «حماس» أن هذه الأسماء تحوي على مجنّدات أُلقي القبض عليهنّ أثناء معركة «طوفان الأقصى»، وهن ينتمين إلى فئة تحتاج وقتاً أطول للتفاوض على مبدأ «الكل مقابل الكل» عندما يتعلق الأمر بالعسكريين والضباط. وقدّمت الحركة اقتراحاً آخَر يتعلق بالتبادل حول جنود وضباط خدموا في الاحتياط وأنهوا الخدمة العسكرية، فتم رفْض العرض.
وعرضت تبادل جثامين الإسرائيليين الذين قتلهم القصف... وتمّ رفض العرض، أيضاً.
إذاً تحاول حكومة نتنياهو تحسين موقعها بالتفاوض تحت نار القصف، كما فعلتْ سابقاً بخوضها حرباً على غزة في ديسمبر 2008 حين نفذت عملية «الرصاص المصبوب» بهدف «إنهاء حكم حماس والوصول إلى المكان الذي تخبئ فيه المقاومة الأسير شاليت».
كذلك هاجمت إسرائيل غزة عام 2012 في عملية «عامود السحاب»، بهدف«تدمير حماس ومواقع تخزين صواريخها».
وفي 2014 شنّت«الجرف الصامد»لتدمير«شبكة الأنفاق التي بنتْها المقاومة تحت الأرض».
عدا عن المواجهات في الأعوام اللاحقة، مثل «سيف القدس» و«وحدة الساحات» («الفجر الصادق» إسرائيلياً)، وفيها لم تحقق تل أبيب أهدافها بالقضاء على المقاومة ولا بتحرير رهائنها بالقوة.
وها هي تتجه نحو إنشاء «منطقة عازلة» باحتلالها شمال غزة، كهدفٍ أولي، ترجو تحقيقه.
إلا أن ذلك يتعلق بقوة المقاومة وقدرتها على انهاك قوات الاحتلال وتكبيدها خسائر كبيرة، وبمشاركة جبهات أخرى من حلف «محور المقاومة» لمنْع إسرائيل من تحقيق أهدافها.
وتالياً، فإن الكلمة الأخيرة عادت بيد الميدان الذي سيقرّر مصير غزة ومعه مصير فلسطين.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي