بعد عقد من الزمن على مقتل أكثر من 1000 شخص في منطقة الغوطة

سوريون يطلقون مبادرة لإنشاء محكمة دولية للأسلحة الكيماوية

صفاء كامل عانت من متاعب صحية بعد هجوم بـ «غاز السارين» على منزلها في الغوطة الشرقية (رويترز)
صفاء كامل عانت من متاعب صحية بعد هجوم بـ «غاز السارين» على منزلها في الغوطة الشرقية (رويترز)
تصغير
تكبير

- المحكمة ستستطيع محاكمة منفذي الهجمات على مستوى العالم
- هجمات واسعة النطاق في الحرب الأهلية السورية مرت من دون عقاب
- استخدام الأسلحة الكيماوية محظور... لكن لا محكمة في العالم تختص بذلك
أدت الهجمات غير المشروعة بالأسلحة الكيميائية إلى مقتل وإصابة الآلاف خلال الحرب الأهلية في سورية، كثير منهم من الأطفال، ولكن بعد مرور أكثر من عقد من الزمن لا يزال الجناة بمنأى عن العقاب.
وقد يتغير ذلك في إطار مبادرة أُطلقت أمس في لاهاي لإنشاء محكمة جديدة لمثل هذه الفظائع.
وعملت نحو عشر مجموعات حقوقية سورية مع خبراء قانونيين دوليين وآخرين في هدوء على مدى عامين على وضع الأساس لمحكمة جديدة قائمة على المعاهدات يمكنها محاكمة من يتهمون باستخدام المواد السامة المحظورة بجميع أنحاء العالم.

وقالت صفاء كامل، 35 عاماً، وهي معلمة من حي جوبر بالعاصمة السورية دمشق «المحكمة بالنسبة للسوريين هي أمل» متذكرة الهجوم بـ «غاز السارين» الذي وقع في 21 أغسطس عام 2013 في منطقة الغوطة والذي أدى لمقتل أكثر من 1000 شخص، كثير منهم كانوا نائمين.
وأضافت «الأعراض التي تعرضنا لها الغثيان وإعياء وإصفرار الوجه، وحالات إغماء... حتى من الصغار. كان خوف كتير كبير».
وتابعت «عندما فتشنا عن الشهداء الذين فقدناهم أثناء هذا القصف الكيماوي كان عدد الضحايا كتير كبير. لا تمحى من ذاكرتنا كيف كانت مصفوفة».
وأظهرت وثائق اطلعت عليها «رويترز»، أنه تم عقد العديد من الاجتماعات الديبلوماسية واجتماعات الخبراء بين الدول لمناقشة الاقتراح، بما في ذلك الجدوى السياسية والقانونية والتمويلية.
وقال المحامي البريطاني السوري إبراهيم العلبي، وهو أحد الشخصيات الرئيسية وراء هذه المبادرة، إن ديبلوماسيين من 44 دولة على الأقل من مختلف القارات شاركوا في المناقشات، بعضهم على المستوى الوزاري.
وصرح العلبي لـ «رويترز»، «بينما يطالب بها السوريون في شأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، إذا رغبت الدول في ذلك فإن الأمر قد يتجاوز ما هو أبعد من سورية بكثير».
ودُشن مقترح إنشاء المحكمة الاستثنائية للأسلحة الكيماوية في 30 نوفمبر، وهو اليوم الذي يتم فيه إحياء ذكرى ضحايا الهجمات الكيماوية بجميع أنحاء العالم. وستكون الخطوة التالية هي أن تتفق الدول على صياغة المعاهدة.
وقال ثلاثة ديبلوماسيين من دول في شمال العالم وجنوبه لـ «رويترز»، إن حكوماتهم تناقش إنشاء المحكمة. ورفضوا الكشف عن أسمائهم لأنهم غير مخولين بالتحدث في هذا الشأن.
وتابع أحد المصادر «هناك اهتمام جدي، واهتمام بالغ، واعتراف بالحاجة إلى شيء كهذا، إلى الحاجة لمعالجة فجوة الحصانة بالأساس».
«شيء من العدالة»
تحظر اتفاقيات جنيف، التي قننت قوانين الحرب، استخدام الأسلحة الكيماوية.
وشددت من ذلك اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1997، وهي معاهدة لمنع انتشار هذه الأسلحة انضمت إليها 193 دولة وتشرف عليها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
لكن الانقسام السياسي في شأن الحرب السورية في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفي الأمم المتحدة، عرقل الجهود الرامية إلى المحاسبة عن انتهاكات القانون الدولي واسعة النطاق في مئات مما يشتبه بأنها هجمات كيماوية.
ونفت حكومة الرئيس السوري بشار الأسد استخدام الأسلحة الكيماوية ضد معارضيها في الحرب الأهلية التي اندلعت في مارس 2011 والتي وصلت الآن إلى طريق مسدود إلى حد كبير.
ولم ترد وزارة الإعلام على طلب من «رويترز» للتعليق.
وأقامت دول، من بينها فرنسا، محاكمات بموجب ما يسمى بالاختصاص القضائي العالمي للنظر في جرائم الحرب، لكن في الحالات التي لا تستطيع فيها المحكمة الجنائية الدولية فعل شيء، لا يوجد كيان قانوني يستطيع محاكمة الأفراد المشتبه بهم في استخدام الأسلحة الكيماوية على مستوى العالم.
وقال دابو أكاندي المحامي البريطاني وعضو لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة لـ «رويترز»، «عندما توجد أصوات تقول نحن بحاجة إلى شيء من العدالة... أعتقد أن ذلك سيكون قوياً».
وذكر أكاندي أن هناك محاكم دولية لجرائم الحرب، من البلقان إلى رواندا ولبنان، لكن لم يركز أي منها على جريمة نشر الأسلحة الكيماوية على وجه التحديد.
وأضاف «ستكون محاولة لسد فجوة بمعنى أنها ستكون مخصصة في الأساس للقضايا التي لا تستطيع فيها المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها القضائي. وأعتقد أن هذا سيكون الشيء المبتكر في هذا الشأن».
وليس للمحكمة الجنائية الدولية المختصة بجرائم الحرب في العالم، ومقرها لاهاي، اختصاص قضائي في سورية.
وتتمتع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بسلطة التحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية وتحديد الجناة المزعومين في بعض الحالات، لكنها لا تتمتع بسلطة الملاحقة القضائية.
وأعلنت في يناير أن سورية مسؤولة عن هجوم وقع في مدينة دوما عام 2018 وأسفر عن مقتل 43 شخصاً.
ووجدت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن الحكومة السورية استخدمت غاز الأعصاب السارين في هجوم وقع في أبريل 2017، واستخدمت الكلور مرارا كسلاح واتهمت مسلحي تنظيم «داعش» باستخدام غاز الخردل.
واستخدمت روسيا، حليفة سورية، حق النقض (الفيتو) مرارا ضد محاولات تمديد آلية التحقيق المشتركة التي انتهت في نوفمبر 2017.
بعد عشر سنوات
بالنسبة للدكتور محمد سليم، الذي ساعد في علاج مئات المرضى بعد هجوم الغوطة عام 2013، لا تزال صور الاختناق والموت، تبكيه. ويتذكر أحد الأطفال الناجين وهو ملقى بين الجثث ويسأله: «عمو أنا عايش»؟
وقال لـ «رويترز» في لاهاي «الحقيقة عندنا شعور بالمرارة إن المحاسبة تأخرت عشر سنوات. إذا قيد هلق مشروع انطلاق محاسبة فبيكون بعد عشر سنوات بدأ هذا المشروع. نتمنى ألا ننتظر عشر سنوات إضافية».
وأضاف «أنا يللي بدي قوله إنه خللي القانون الدولي والعدالة ياخد مجراها».
وأفادت الآلية الدولية المحايدة والمستقلة للتحقيق في الجرائم الأشد خطورة المرتكبة في سورية، التابعة للأمم المتحدة، لـ «رويترز»، بأن جزءاً صغيراً فقط من نحو 200 تحقيق في جرائم الحرب السورية أجرته دول معظمها أوروبية يتعلق بالهجمات الكيماوية.
وقالت رئيسة هذه الآلية كاثرين مارشي-أويل، إنه لا توجد فرص كافية لتحقيق العدالة في ما يتعلق بهجمات الأسلحة الكيماوية في سورية، وإن الآلية الدولية المحايدة والمستقلة مستعدة للعمل مع محكمة جديدة.
وأضافت «هيئة دولية لديها موارد مخصصة وفريق اكتسب خبرة في إقامة دعاوى في شأن حوادث الأسلحة الكيماوية قد تكون في وضع جيد يسمح بالتعامل مع هذا النوع من القضايا».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي